للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثال الحذف مع بقاء الفاء قوله تعالى: {أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} . والتقدير: أمكثوا فلم يسيروا١ ... ومثال الحذف مع بقاء "أم" المتصلة قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ} والتقدير: أعلمتم أن دخول الجنة يسير أم حسبتم أن تدخلوا الجنة.

ومثال الحذف قبل "لا" العاطفة: "عاهدت نفسي أن أعمل الخير ... لا قليلا، وان أقول الحق ... لا بعض الأوقات" والأصل: أن أعمل الخير كثيرا لا قليلا، وأن أقول الحق كل الأوقات لا بعض الأوقات.

"ملحوظة" من أمثلة حذف المعطوف عليه هو بقاء حرف العطف: "الواو"، ما سجله ابن جني في كتابه المسمى: "تفسير أرجوزة أبي نواس في تقريظ الفضل بن الربيع٢". قال عند شرحه بيت أبي نواس:

"وبلدة فيها زور ... صعراء تحظى في صعر"

ما نصه الحرفي: "قوله: وبلدة" ... قيل في هذه الواو قولان، أحدهما: أنها للعطف، والآخرك أنها عوض من "رب"؛ فكأنهم إنما هربوا من أن يجعلوها عاطفة لأنها في أول القصيدة، وأول الكلام لا يعطف. ولا يمتنع العطف على ما تقدم من الحديث والقصص؛ فكأنه كان في حديث، ثم قال: وبلدة. فكأنه وكل الكلام إلى الدلالة في الحال. ونظير هذا قوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ} فالضمير "الهاء" يراد به القرآن، وإن لم يجر للقرآن ذكر.


١ قد سبق إيضاح الكلام على الحذف في هذه الآية وأشباهها "من هامش ص٥٧١" وأن فيها رأيين، أحدهما: يرى الفاء قد عطفت جمله فعلية مذكورة على أخرى محذوفة بعد الهمزة في مكانها الأصلي. والثاني: يرى أن الهمزة تقدمت من تأخير، للتنبيه على أصالتها في التصدير، ومحلها الأصلي بعد الفاء. والتقدير: فألم يسيروا ... والجملة بعد العاطف معطوفة على أخرى مماثلة لها خبرا وإنشاء، محذوفه، ومكانها قبل الهمزة والعاطف. وفي الحذف المذكور يقول ابن مالك بيتا نصفه الأول هو الذي يتصل بالحذف، ونصفه اثاني يتعلق بقاعدة اخرى سيذكر معها في ص٦٤٤.
وحذف متبوع بدا هنا استبح ... وعطفك الفعل على الفعل يصح
٢ ص٩ من الطبعة التي أخرجها وحققها الأستاذ بهجة الأثري.

<<  <  ج: ص:  >  >>