للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للأول في المعنى تمام المطابقة مع اختلاف لفظيهما في الأغلب١ فهما واقعان على ذات واحدة: وأمر واحد نحو: "أشرقت الغزالة، الشمس؛ فأنارت الدنيا"٠، فالشمس بدل كل من كل، والمبدل منه: هو الغزالة، ومعنى الثاني –هنا- معنى الأول تماما. ومثله" الدنيار من تبر؛ ذهب، والدرهم من لجين فضة"، فكلمة: "ذهب" بدل مطابق من: "لجين". النوع من البدل لا يحتاج لرابط يربطه بالمتبوع٢..

ومن الأمثلة أيضا: قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} ، فكلمة: "صراط" الثانية يدل كل من كل من الأولى لأن صراط الذين انعم الله عليهم هو عينه الصراط المستقيم؛ فالكلمتان بمعنى واحد تماما. وقول الشاعر:


١ الأغلب اختلافهما في اللفظ. وقد يتفقان بشرط أن يفيد الثاني زيادة بيان وإيضاح -كما تقدم في الصفحة السالفة، وكما يجيء في: "ج" ص ٦٧٧- ومن أمثلة اتفاقهما قوله تعالى: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ... } .
وقوله تعالى في سورة الشورى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وبسبب توافق اللفظين يتشابه بدل الكل والتوكيد اللفظي في الصورة اللفظية الظاهر، وقد يصعب التفريق بينهما أحيانا في الصورة اللفظية الظاهرة. غير أن الصعوبة تزول ويتيسر تمييز أحدهما من الآخر بأمرين مجتمعين معا:
أولهما: الغرض المعنوي الذي ينفرد بتأيته كل منهما، وهذا الفرض ترشد إليه وتعينه القرائن وتحدده. وثايهما: الأحكام الأخرى التي يختص بها كل مهما دون صاحبه ...
وقد يكون "البدل" عاما في ظاهره لكنه خاص في المراد منه؛ كما في الاستثناء التام غير الموجب حيث يجوز في المستثنى النصب والبدل، نحو: ما تخلف السباقون إلا واحدا، أو واحد. فإذا تقدم المستثنى "البدل" فإن الحكم يتغير؛ فيزول عنه اسمه، ويعرب على حسب حاجة الجملة؛ ويفقد المستثنى منه الذي تأخر اسمه، ويعرب "بدلا" من الاسم السابق، ويصير الكلام: ما تخلف إلا واحد السباقون. فالسباقون: "بدل" من واحد، وهو بدل "كل من كل"؛ لأن المتأخر عام أريد به خاص -كما أسلفنا- وبيان هذه المسألة وتفصيل الكلام عليها مدون في مكانها المناسب؛ وهو بابه الاستثناء ج٢ رقم ٤ من هامش ص٣٩٨ م٨١، عند الكلام على المستثنى بإلا.
١ الأمثلة الثلاثة السالفة صالحة لبدل الكل، ولعطف البيان، والتوكيد اللفظي بالمرادف. وإنما تكون التفرقة بينها بالغرض المراد تحقيقه من كل، طبقا لما سلف من الأغراض المدونة في أبوابها وبملاحظة الفوارق والأحكام التي تميز كل نوع، وتختص به -كما سبقت الإشارة هنا في رقم ١-.

<<  <  ج: ص:  >  >>