وقوله تعالى في سورة الشورى: {وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} وبسبب توافق اللفظين يتشابه بدل الكل والتوكيد اللفظي في الصورة اللفظية الظاهر، وقد يصعب التفريق بينهما أحيانا في الصورة اللفظية الظاهرة. غير أن الصعوبة تزول ويتيسر تمييز أحدهما من الآخر بأمرين مجتمعين معا: أولهما: الغرض المعنوي الذي ينفرد بتأيته كل منهما، وهذا الفرض ترشد إليه وتعينه القرائن وتحدده. وثايهما: الأحكام الأخرى التي يختص بها كل مهما دون صاحبه ... وقد يكون "البدل" عاما في ظاهره لكنه خاص في المراد منه؛ كما في الاستثناء التام غير الموجب حيث يجوز في المستثنى النصب والبدل، نحو: ما تخلف السباقون إلا واحدا، أو واحد. فإذا تقدم المستثنى "البدل" فإن الحكم يتغير؛ فيزول عنه اسمه، ويعرب على حسب حاجة الجملة؛ ويفقد المستثنى منه الذي تأخر اسمه، ويعرب "بدلا" من الاسم السابق، ويصير الكلام: ما تخلف إلا واحد السباقون. فالسباقون: "بدل" من واحد، وهو بدل "كل من كل"؛ لأن المتأخر عام أريد به خاص -كما أسلفنا- وبيان هذه المسألة وتفصيل الكلام عليها مدون في مكانها المناسب؛ وهو بابه الاستثناء ج٢ رقم ٤ من هامش ص٣٩٨ م٨١، عند الكلام على المستثنى بإلا. ١ الأمثلة الثلاثة السالفة صالحة لبدل الكل، ولعطف البيان، والتوكيد اللفظي بالمرادف. وإنما تكون التفرقة بينها بالغرض المراد تحقيقه من كل، طبقا لما سلف من الأغراض المدونة في أبوابها وبملاحظة الفوارق والأحكام التي تميز كل نوع، وتختص به -كما سبقت الإشارة هنا في رقم ١-.