للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتماثله في صفاته الأساسية؛ فكأنه فرد واحد متكرر الصور والنماذج المتشابهة التي ينطبق على كل منها معنى: "رجل" ومدلوله؛ فإن معناه يصدق على: محمد، وصالح، وفهيم ... ، وآلاف غيرهم. فهو خال من التحديد الذى يجعل المدلول مقصورًا على فرد مُتميِّز من غيره، مستقل بنفسه؛ لا يختلط وسط أفراد أخرى تماثله. وهذا معنى قولهم: "مُبْهَم الدَّلالة"؛ أي: أنه ينطبق على فرد شائع بين أفراد كثيرة من نوعه، تشابهه فى حقيقته، يصح أن يطلق على كل منها اسم: "رجل" ويستحيل في عالم الحسن تعيين أحدها، وتخصيصه وحده بهذا الاسم.

لكن إذا قلتُ: "أنا في الحديقة"، فإن الشيوع يزول؛ والإبهام يختفي؛ بسبب تحديد المدلول، وحصره في واحد معين؛ هو: المتكلم؛ فلا ينصرف الذهن إلى غيره، ولا يمكن أن ينسب الوجود في الحديقة لسواه.


= الصورة التي سبق له أن رسمها من مجموع الصفات الذاتية المشتركة، ولا يدرك سواها، ولا يخصص شجرة معينة، كشجرة نخيل، أو برتقال، أو ليمون، أو غيرها، ولا يستحضر في داخله- غالبا غير تلك الصورة الخيالية التي ابتكرها، وكونها من قبل، والتي يسميها العلماء حينا: "الصورة العقلية المجردة: وحينا: "الصورة الذهنية المجردة" أو: "الحقيقة الذهنية المحضة" أي: التي لا يحتاج العقل في إدراكها إلى استحضار صورة شجرة معينة، أو استرجاع نموذج من الشجرات الأولى التي كانت أوصافها الذاتية المشتركة سببا في تكوين الصورة الذهنية لما يسمى: "شجرة".
فالصورة التي رسمها العقل هي صورة خيالية محضة، لا وجود لها في عالم الحس والواقع، على الرغم من أنه انتزع عناصر تكوينها من نماذج وأشياء محسوسة مشاهدة، يستقل كل منها بنفسه، وينفرد عن غيره، لكنها تشابه في صفات ذاتية مشتركة بين الجمع- كما سبق- وكل واحد من تلك النماذج والأشياء المتشابهة يسمى: "حقيقة" خارجية": لأنه المدلول الحسي، والمضمون الواقعي للحقيقة الذهنية، مع خروجه عن دائرة الذهن المجردة: بسبب وجوده فعلا في دائرة الحسن والمشاهدة، فكل واحدة من شجرة النخيل، أو البرتقال، أو الليمون، أو ... تصلح أن تكون المدلول الحسي المقصود من كلمة: "شجرة" التي هي حقيقة ذهنية وإن شئت فقل: إن كل واحد من تلك الأشياء يصلح أن يكون الحقيقة الخارجية التي هي مضمون الحقيقة الذهنية، ومدلولها المقصود، وأن الحقيقة الذهنية تنطبق في خارج الذهن على كل واحد من تلك الأشياء، وتصدق عليه.
ومما سبق نعلم أن مجموع الصفات الذاتية المشتركة بين أفراد الحقيقة الخارجية هو الذي يكون الحقيقة الذهنية المحضة، وأن مدلول الحقيقة الذهنية المحضة ينطبق على كل فرد من أفراد الحقيقة الخارجية، ويصدق عليه، دون تخصيص فرد أو تعيينه، كما سيجيء في هذا الباب عند الكلام على "اسم الجنس" وعلم الجنس"، ص ٢٨٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>