وإذا قلنا: تكلّم طالب؛ فإن كلمة:"طالب" اسم، له معنى عقلي، ومدلول ذهني. ولكن مدلوله الخارجي "أي: الذى في عالم الحس والواقع؛ خارجًا عن العقل والذهن وبعيدًا منهما"، غير محصور في فرد خاص يمكن تعيينه وتمييزه من أشباهه؛ وإنما ينطبق على: حامد، وحليم، وسَعد، وسعيد ... وآلاف غيرهم ممن يصدق على كل واحد منهم أنه:"طالب": ويشترك مع غيره في هذا الاسم فهو اسم يدل على فرد، ولكنه فرد شائع بين أشباه كثيرة، متماثلة في تلك الحقيقة التي أشرنا إليها، والتي يقال لكل فرد منها إنه:"طالب" فمعناه مبهم؛ ودَلالته شائعة، كما سبق.
لكن إذا قلنا:"تكلم" محمود؛ فإن الشيوع والإبهام يزولان؛ بسبب كلمة:"محمود" التي تدل على فرد بعينه؛ والتي تمنع الاشتراك١ التام في معناها ومدلولها.
ومثل هذا يقال في:"قرأت كتابًا"؛ فإن لفظ:"كتاب" اسم شائع الدَّلالة، غامض التعيين؛ إذ لا يدل على كتاب خاص يتجه الفكر إليه مباشرة دون غيره من الكتب؛ فهو يصدق على كتاب حساب، وكتاب هندسة، وكتاب أدب، وكتاب لغة ... ، كما يصدق على كتاب محمود، وكتاب فاطمة، وغيرهما ... لكن إذا قلنا:"هذا كتاب" تعَّين الكتاب المراد، وتحدد المطلوب، بسبب الإشارة إليه. وأنه هو المقصود دون غيره من آلاف الكتب.
وكذلك يقال في المثال الأخير:"مصر يخترقها نهر". فأي نهر هو؟ قد يكون نهر النيل، أو دِجْلة، أو الفُرات، أو غيرها من مئات الأنهار التى يصدق على كل منها أنه:"نهر"؛ لأن الاسم غامض الدلالة؛ لانطباقه على كل فرد من أمثاله فإذا قلنا:"مصر يخترقها نهر النيل"؛ زال الشيوع، واختفى الغموض؛ بسبب الكلمة التي جاءت بعد ذلك؛ وهي:"النيل".
فكلمة: رجل: وطالب وكتاب، ونهر، وأشباهها، تسمى: نكرة، وهي:"اسم يدل على شيء واحد، ولكنه غير معين"؛ بسبب شيوعه بين أفراد كثيرة من نوعه تشابهه في حقيقته، ويصدق على كل منها اسمه. وهذا معنى
١ قد تكون كلمة: "محمود" مشتركة بين عدة أفراد، ولكن هذا الاشتراك محدود ضئيل بالنسبة للشيوع والاشتراك في النكرة، فلا يسلب العلم التعيين والتحديد جملة، ولا يجعله غامضًا مبهمًا كالغموض والإبهام اللذين في النكرة المحضة، مثل كلمة: رجل.