للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أنك لو سألت المراجع اللغوية عن القصود من لفظ: "هيهات" لكان الجواب: "هيهات، معناه: بعد" -"آها، معناه: أتوجع"- "حذار، معناه: احذر"، وهكذا نظائرها.

فكل لفظ مما سبق -ونظائره- يسمى: "اسم فعل". وهو١: اسم يدل


١ التعريف الآتي صفوة تعريفات متعددة جاوزت ستة، ولم تخل من قصور أو غموض. وهو أقرب إلى التعريف الدقيق الذي اختاره جمهورهم الاسم الفعل. ونزيده بيانا ووضوحا بما يأتي: "مما ذكرناه عند تعريف الاسم ج١ م٢".
ولو وضعنا فاكهة معينة أمام إنسان لا يعرفها؛ فسأل: ما هذه؟ فأجبنا: "رمان" -مثلا- لكانت كلمة: "رمان" هي الرمز، أو العلامة، أو اللفظ الدال على تلك الفاكهة، وإن شئت فقل: إنها "اسم" يفهم منه السامع تلك الفاكهة المعينة دون غيرها. فعندنا شيئان؛ فاكهة لها أوصاف حسية خاصة بها، ولفظ معين إذا نطقنا به انصرف الذهن مباشرة إلى تلك الفاكهة الخاصة. فلهذا اللفظ معنى، أو مدلول، أو مراد؛ وما معناه، أو مدلوله، أو المراد منه إلا هذه الفاكهة، وإن شئت فقل: إنه اسم، هي معناه ومسماه. وأن هذا المعنى والمسمى له اسم؛ هو: رمان. فالاسم ليس إلا رمزا، أو علامة، أو شارة يراد بها أن تدل على شيء آخر، وأن تعينه: وتميزه من غيره. وهذا الشيء الآخر هو المراد من تلك الشارة، والغرض من اتخاذها. فهو مدلولها ومرماها. أي: هو المسمى بها. ومتى ثبت أن الاسم هو الرمز والعلامة، وأن المسمى هو: المرموز له، المطلوب إدراكه بالعقل كان الاسم متضمنا في ذاته كل أوصاف المسمى، كالصورة التي يكتب إزاءها اسمها؛ فإذا قرئ الاسم أولا دل على الصورة ومضمونها كاملة.
مثال آخر: هبك رأيت طائرا صغير الجسم، جميل الشكل، ساحر الغناء، يتميز بأوصاف خاصة، فسألت: ما هذا الطائر؟ فقيل: "بلبل". فإن كلمة: "بلبل" رمز، أو: شارة، أو: علامة على هذا الطائر المعين. فإذا سمعتها بعد ذلك أو قرأتها، فهمت ما ترمز إليه، وما تشير له، وإن شئت فقل: فهمت معناها وما تدل عليه، أي: فهمت مدلولها ومسماها؛ لأنها الاسم الدال عليه. فكلمة: "البلبل" مدلوها الطائر المعين، وهذا الطائر المعين له اسم، هو" البلبل"، فلكل اسم مسمى، ولكل مسمى اسم، ولا ينفصل أحدهما عن صاحبه، مهما كثرت ألفاظ كل، وتعددت الكلمات الدالة عليه.
قياسا على ما سبق؛ ما الذي نفهمه حين نسمع كلمة: هيهات؟ نفهم أن مدلولها ومرماها هو الفعل "بعد" بكل خصائصه؛ من الدلالة على معنى البعد، والمضي، والعمل، مع عدم التأثر بالعوامل. فاللفظ: "هيهات" رمز، أو شارة، أو علامة -تدل على الفعل: "بعيد". أي: أن اللفظ: "هيهات" اسم، مسماه الفعل: "بعد". والفعل: "بعد" مسمى، له اسم؛ هو: "هيهات".
وإذا سئلت: ما المراد من: "آه"؟ كان الجواب: "أتوجع". فكلمة: "آه" هي الرمز، أو: العلامة، أو الاسم. أما المرموز له، أو: المسمى -فهو الفعل المضارع: "أتوجع" بكل خصائص المضارع؛ من معنى، وزمن، وعمل، مع سلامة الرمز من التأثر بالعوامل التي يتأثر بها =

<<  <  ج: ص:  >  >>