للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عن المشركين، ومخاطبة بعضهم بعضا بالتمسك بأصنامهم: وقالوا: {وَقَالُوا لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلا سُوَاعًا وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} ١، فقد نونت الكلمتان مراعاة لما حولهما من كلمات أخرى منونة.

الثانية: الضرورة الشعرية٢، وما في حكمها٢؛ فيضطر الشاعر بسببها إلى تنوين الاسم؛ ككلمة "محاسن" في قول الشاعر:


١ كل هذه أسماء أصنام اتخذها المشركون من أهل الجاهلية آلهة لهم عبدوها.
٢ و٢ الشائع في أكثر الكتب النحوية أن "الضرورية" خاصة بالشعر وحده. لكن بعض المحققين لا يرون هذا التحديد الضيق، كما صرح: "ابن بري" في رسالته المطبوعة في نهاية: "مقامات الحريري"، يدافع بها عن صاحب المقامات، ويصحح كل ما أخذه عليها "ابن الخشاب البغدادي"، فقد صرح "ابن بري" بأن الضرورة ليست مقصورة على الشعر وحده، وإنما تشمل السجع والفواصل أيضا. وفيما يلي نص كلامه "ص١١ من تلك الرسالة":
"اعلم أن للسجع ضرورة الشعر، وأن له وزنا يضاهي ضرورة الوزن الشعري في الزيادة والنقصان والإبدال، وغير ذلك. وحذفوا التنوين فيه كما حذفوه في الشعر -وساق أمثلة متعددة تؤيد كل ما سبق- حكى ذلك الخليل، وأبو حنيفة الدينوري ... وقد جاء مثل هذا في فواصل القرآن؛ لتتفق الفواصل. فمن الزيادة قوله تعالى في سورة الأحزاب: عن الكافرين: {يَوْمَ تُقَلَّبُ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ يَقُولُونَ يَا لَيْتَنَا أَطَعْنَا اللَّهَ وَأَطَعْنَا الرَّسُولا، وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا} فقد زيدت ألف في آخر كلمة "السبيل"؛ مراعاة لكلمة "الرسول" وزيدت ألف في كلمة: "الرسولا" لأن الآيات التي قبلها مختومة بكلماته منونة، منصوبة آخرها ألف. وكذلك زيدت ألف في كلمة: "الظنون" من قوله تعالى في سورة الأحزاب: {وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} وزيادتها لمراعاة أواخر الآيات التي قبلها، المختومة بكلمات منصوبة آخرها ألف "أليما - بصيرا ... " فزيدت الألف في الفواصل كما تزاد في الشعر، آخر القافية بقصد الإطلاق. ومن النقص قوله تعالى في سورة الفجر: {وَالْفَجْرِ، وَلَيَالٍ عَشْرٍ، وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ، وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} فحذفت الياء من "يسر" اتباعا للوتر، وما تقدمه. وكذلك حذفت الياء -من: "أكرمني، وأهانني"- في قوله تعالى في هذه السورة: {فَأَمَّا الْأِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ، وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ} كما حذفت في الشعر في قول في قول القائل:
فهل يمنعن ارتياد البلاد ... من حذر الموت، أن يأتين
"أي: يأتيني". ا. هـ. كلام ابن بري،
وهو كلام قوي نفيس، يؤيده ويوافقه الفصل الخاص الذي عقده له صاحب: "همع الهوامع" في الجزء الثاني تحت عنوان: "خاتمة" -ص١٥٨- بعد الباب الخاص بموضوع: "الضرائر". وكلامهما أعم وأشمل من كلام ابن جني حيث يقول: "الأمثال تجري مجرى المنظوم في تحمل الضرورة" -راجع ص١٩ من التعريف بكتابة: المحتسب، ج١ طبعة المجلس الأعلى للشئون الإسلامية بالقاهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>