للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن الذي ملأ اللغات محاسنا ... جعل الجمال وسره في الضاد١

ويتبع هذا جره -حتما- بالكسرة بدل الفتحة في حالة الجر؛ ككلمة "عنيزة" في قول امرئ القيس:

ويوم دخلت الخدر خدر عنيزة ... فقالت له الويلات إنك مرجلي٢

فقد دخل الجر والتنوين في كلمة: "عنيزة" لضرورة الشعر. ومثل كلمة: "فاطمة" في قول الشاعر يمدح "عليا زين العابدين" بأنه من نسلها وهي بنت الرسول صلى الله عليه وسلم:

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله ... بجده أنبياء الله قد ختموا

وقد يضطر الشاعر إلى جر الاسم بالكسرة دون تنوينه، مثل كلمة: "عصائب" في قول المادح:

إذا ما غزا بالجيش حلق فوقه ... عصائب طير تهتدي بعصائب

فقد جر الكلمة بالكسرة وحدها مراعاة للكسرة في آخر أبيات القصيدة.

وإنما كان التنوين جائزا -لا واجبا- في الحالتين السالفتين؛ لأن المتكلم يستطيع في الحالة الأولى أن ينون أو لا ينون، فله الخيار، كما يستطيع في الحالة الثانية أن يترك الكلمة التي تدفعه إلى التنوين قهرا واضطرارا٣ ليختار كلمة أخرى تلائم القافية الوزن الشعري من غير حاجة لمنع الصرف.

وفي كلتا الحالتين السالفتين تعرب الكلمة على حسب موقعها من الجملة، ويزاد على إعرابها حين تكوين منونة: أن تنوينها للضرورة، وتجر بالكسرة -لا بالفتحة- على الأفصح.


١ الضاد: رمز يكنى به عن اللغة العربية وحدها؛ لعدم وجوده في اللغات الأخرى الشائعة.
٢ الخدر: الهودج. "مرجلي": ستجعلني راجلة، أي: ماشية؛ لأن الهودج لا يحتملهما معا.
٣ أي: أن تنوين الضرورة يعتبر ضروريا محتوما إذا حرص الشاعر على كلمة معينة لا يريد تركها إلى أخرى لا توجب عليه التنوين.
وعند كثرة النحاة: أن الضرورة هي التي تباح في الشعر دون النثر ولو استطاع الشاعر أن يتخطاها؛ إذ تعد في النثر مخالفة غير جائزة. وهذا رأي يرفضه -بحق- "ابن بري" محتجا بما تقدم في رقم ٢ من هامش الصفحة السالة.

<<  <  ج: ص:  >  >>