للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثاني: لن:

وهو حرف١، يفيد النفي بغير دوام ولا تأييد إلا بقرينة خارجة عنه. فإذا دخل على المضارع نفي معناه في الزمن المستقبل المحض -غالبا-٢ نفيا مؤتا يقصر أو يطول من غير أن يدوم ويستمر، فمن يقول: لن أسافر، أو: لن أشرب، أو: لن أقرأ غدا، أو نحو هذا ... ، فإنما يريد نفي السفر -أو غيره- في قابل الأزمنة مدة معينة، يعود بعدها إلى السفر ونحوه، إن شاء، ولا يريد النفي الدائم المستمر٣ في المستقبل، إلا إن وجدت قرينة مع الحرف "لن" تدل على الدوام والاستمرار.

أشهر أحكامه:

١- أنه مختص بالمضارع، ينصبه بنفسه، ويخلص زمنه للمستقبل المحض غالبا٢؛ ولهذا كان نفيه لمعنى المضارع مقصورا على المستقبل غالبا -كما تقدم- نحو قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} .

٢- جواز تقديم معمول مضارعه عليه "أي: على "لن كقول الشاعر:

مه -عاذلي-٤ فهائما لن أبرحا ... بمثل أو أحسن من شمس الضحا

فكلمة: "هائما" خبر للمضارع المنصوب ب"لن"، وقد تقدمت على الناصب.


١ هو حرف غير مركب. أما ما يعرض له بعض النحاة من الكلام على أصل مادته وبنيته، "وأن أصله "لا أن" أو ... أو ... " فلا يصح الوقوف عنده، ولا الالتفات إليه؛ لعدم جدواه.
٢ و٢ لأنه قد ينفي زمنه المستقبل المتصل بالحال؛ كآية: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} . فقد نفى الحال الممتد إلى المستقبل.
٣ يدل على هذا قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} فلو كانت "لن" تفيد تأييد النفي في المستقبل المحض "الخالص" لوقع التعارض بينها وبين كلمة: "اليوم" في الآية؛ لأن اليوم محدد معين، وهي غير محددة ولا معينة. ولوقع التكرار المعيب في قوله تعالى: {فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ، وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا} فما فائدة كلمة "أبدا" التي تدل على التأييد إن كانت "لن" تدل عليه؟ أما التأييد في قل الشاعر:
إن العرانين تلقاها محسدة ... ولن ترى للئام الناس حسادا
وفي قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَاباً وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ} فبسبب قرينة خارجية، هي العلم القاطع المستمد من المشاهدة الصادقة الدائمة.
٤ يا عاذلي.

<<  <  ج: ص:  >  >>