في أصح الآراء؛ فلا يقال: ما أصبح محمد ليهمل عمله، ولم يصبح محمود ليهين غيره ... وما ظننت الأمة الناهضة لتسيء إلى علمائها، ولم أظن الشعوب القوية لتركن إلى الراحة ... قال أبو حيان:"كل هذه التراكيب فاسدة؛ إذ لم يسمع لها نظير في كلام العرب، فوجب منعها وردها" اهـ.
ح- يتردد هنا -وفي الأبواب الأخرى- لفظ:"لام التعليل"، و "لام الجحود" فما الفارق الدقيق بينهما؛ بحيث تتميز إحداهما من الأخرى بغير غموض ولا خفاء؟
الفارق بينهما ما أسلفناه من أن لكل واحدة منهما معنى يخالف معنى الأخرى؛ فلام الجحود تفيد النفي العام، ولام التعليل تفيد التعليل "أي: أن ما بعدها علة وسبب فيما قبلها" على الوجه الذي شرحناه في كل منهما".
وشيء آخر؛ هو أن النفي مع لام الجحود مسلطا على ما قبلها وما بعدها معا في كل حالاتهما؛ فهو منصب على الكلام كله؛ لأن ما قبلها كون عام منفي، وخبره المحذوف أمر عام منفي، فيتسر إليهما النفي منه حتما؛ لدخولها فيما يشتمل عليه ... ، ويؤثر فيه بالنفي؛ كالأمثلة التي في أول البحث؛ حيث يعم النفي ما قبل لام الجحود وما بعدها، ويكون شاملا غير مقيد يخرج بعض الحالات.
أما لام التعليل. فالنفي قبلها داخل على فعل خاص، ليس كونا عاما، وغنما هو فعل مقيد بالجار والمجرور "وهما: لام التعليل، وما دخلت عليه"؛ فالنفي منصب على هذا لفعل المقيد؛ أي: منصب عليه في حالة تقيده -وهي حالة واحدة، دون غيرها من الحالات الأخرى الكثيرة التي لا تدخل في التقييد؛ والتي هي مسكوت عنها، كما قدمنا- فلا يحكم على تلك الحالات الأخرى بالنفي أو بعدمه إلا بقرينة خارجة عن الجملة. والقيد "وهو لام التعليل ومجرورها" -منفيان حتما، لتعلقهما بالفعل الخاص المنفي. فالمعنى بعد لام التعليل منفي. أما قبلها فلا يتعين النفي إلا في الصورة الواحدة التي شرحناها وهي التي يكون فيها الفعل مقيدا بالجار مع مجروره؛ فمعنى الفعل فيها ليس عاما١ مطلقا.
١ يقول الصبان: إن النفي مع "لام" التعليل منصب على ما بعدها فقط، فهل هذا يوافق ما يقوله أكثر النحاة من أن ما بعد "لام التعليل" علة لما قبلها، وإذا انتفت العلة انتفى المعلول؟ يبدو أنه لا يوافقه، إلا إذا كان مراده أنه لا يشمل ما قبلها من الصور المتعددة التي لا تدخل في القيد.