أما علامة هذه الحالة الماضية المحكية فصحة الاستغناء عن مضارعها، وإحلال ماضيه محله فلا يتغير المعنى، ولا يفسد التركيب "كما سيجيء في ص٣٤٨" وكما يوضحه المثال التالي في: "ب". ب- وإما مؤولة عن مستقبل؛ وهي التي يقع الكلام ويتحقق دون أن يقع ويتحقق زمنها وزمن مضارعها في أثنائه، أو قبل النطق به. ولكن المتكلم يتخيل أن زمنها قائم وقت الكلام. وعلى هذا لا يصح اعتبار: "حتى" ابتدائية إذا كان معنى المضارع الذي بعدها قد تحقق في زمن انتهى حقيقة، أو أنه سيتحقق في زمن مستقبل حقيقة، بغير تخيل الحال وحكايتها في كل واحدة منهما. فمثال حكاية الحال الماضية التي يتخيل المتكلم وقوعها وقت كلامه -على الرغم من أن زمنها قد فات حقا، وانتهى قبل أن يتكلم- قول المؤرخ: "يقيم الفراعنة المصريون القدماء مسلات ضخمة، حتى يكتبون على جوانبها تاريخهم، ومآثرهم". أي: حتى كتبوا. ومثال الحال المؤولة عن المستقبل: "يأتي الشتاء في الشهر القادم؛ وها هو ذا المطر ينهمر. ويشتد البرد حتى ترتجف منه أعضائي". ومثال الحال الحقيقة: "أقف الآن على شاطئ البحر والشمس منحدرة إلى مغربها حتى أتابع منظر غروبها -هذه الوردة في يدي أرقبها وأشمها، حتى أتمتع بلونها وبطيب رائحتها"- فمتابعة الغروب تتحقق في الزمن الذي ينطبق فيه المتكلم بالجملة المشتملة على "حتى"؛ فزمنهما واحد هو: الحال. كذلك التمتع بطيب الوردة ولونها؛ يقع في الزمن الذي يقع فيه النطق بالجملة المشتملة على "حتى" وهو الزمن الحالي. وفي هذه الأمثلة وأشباهها تعرب "حتى" حرف ابتداء يدل على "الغاية" والجملة بعدها مستقلة في إعرابها لا في معناها -وقد شرحنا في الصفحة التالية المراد من الغاية. ثالثها: "حتى" الجارة، وهي نوعان: ١- نوع يجر الاسم الظاهر الصريح "والظاهر: ما ليس ضميرا، والصريح: ما ليس مصدرا مؤولا" ومعناها: الدلالة على الغاية، نحو: قرأت الكتاب حتى الخاتمة. ولا شأن لنا بهذا النوع هنا -"فقد سبق تفصيل الكلام عليه في الجزء الثاني، باب حروف الجر، م٩٠ ص٤٤٥". ٢- ونوع يجر المصدر المؤول من "أن" المضمرة وجوبا وما دخلت عليه من جملة مضارعية. ومعنى "حتى" إما الدلالة على الغاية، وإما الدلالة على التعليل، وإما الدلالة على الاستثناء، والنوع الجار للمصدر المؤول -وإن سبق مجملا في الموضع السالف- هو موضوع التفصيل في كلامنا الآن. لكن الكوفيين يعتبرون "حتى" حرفا مصدريا ينصب المضارع بنفسه مباشرة، ويجيزون ظهور "أن" المصدرية بعده فتكون للتوكيد اللفظي. "انظر البيان في "ب" ص٣٥٠"، "ملاحظة": يصح حذف ما دخلت عليه "حتى" مهما كان نوعها بشرط ألا يكون اسما صريحا مجرورا بها. ومن الأمثلة قول الشاعر وقد ذهب لزيارة شخص: فلما لم أجدك -فدتك نفسي- ... رجعت بحسرة وصبرت حتى ... يريد: حتى يأذن الله -مثلا.