للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو مستقبل بالنسبة للسابق، أي: أن المعنيين قد وقعا وحصلا قبل النطق بالكلام، ولكن أحدهما وهو الذي قبل "حتى" -أسبق في زمن تحققه وحصوله من المتأخر عنها؛ ولهذا يعتبر المتأخر في زمنه "وهو ما يلي "حتى" مستقبلا بالنسبة لما قبلها١؛ لتحقق معناه بعد ذلك المتقدم عليها. وكل هذا بغير: "حكاية الحال الماضية" ويغير تخيل أنها قائمة الآن٢ بطريق الحكاية.

ومن الأمثلة ما قاله أحد المؤرخين: "بنى المعز لدين الله الفاطمي مدينة القاهرة حتى تكون مقرا لحكمه، ومأوى يتسع لأعوانه وجنده. ولما تم بناؤها عرت عليه أسماء كثيرة حتى يختار منها اسما؛ فاختار لها: "القاهرة" ... " فالمعنى قبل "حتى" -وهو بناء القاهرة- قد تحقق وفات. وكذلك اتخاذها مقرا للحكم ومأوى. إلا أن البناء تحقق أولا، ثم تحقق بعد المقر. فالمقر معنى متأخر في زمن حصوله على زمن البناء، ولهذا يعتبر مستقبلا بالنسبة لزمن البناء ...

وكذلك تمام بنائها أمر فات وانتهى، ومثله اختيار اسم لها. فالمعنيان قد فاتا وانقضى زمنهما. غير أن اختيار الاسم متأخر عن تمام البناء، فهو مستقبل بالنسبة لتمام البناء، بالرغم من أن كلا منهما قد انتهى وانقضى. ولكن أحدهما "وهو ما يلي "حتى" متأخر في زمنه عما سبقها ... ؛ وبسبب هذا التأخر كان مستقبلا بالنسبة للسابق، من غير حكاية حال ماضية، ولا تخيل إرجاعها.

ومن الأمثلة أيضا قول مؤرخ آخر: "استطاع المسلمون الأوائل فتح فارس. والشام، ومصر، في شهور قلائل؛ لأن سلطان العقيدة غلب كل سلطان آخر، فوجب الرجل منهم نفسه للقتال حتى ينتهر أو يموت شهيدا، لا يعرف التردد، ولا الفرار، ولا الخيانة. وخاض المعركة حتى يبلغ أمنيته في النصر أو الاستشهاد ... ؛ فالمعنى قبل "حتى" -وهو: الهبة للقتال- قد مضى وانتهى. وكذلك المعنى بعدها؛ وهو: النصر، أو الموت. إلا أن الهبة أسبق في مضي زمنها؛ ولذا يعد الثاني -وهو المتأخر في زمن انقضائه- مستقبلا بالنسبة للأسبق.


١ يجب التنبه إلى أن استقباله إنما هو بالنسبة للمعنى الذي قبل "حتى" فلو كان زمنه مستقبلا أو حاليا بالنسبة لزمن التكلم لوجب تغيير الحكم بما يوافق هذا ويناسبه.
٢ لأن تخيل الحال الماضية وحكايتها، يجعل زمن المضارع للحال تأويلا كما سبق. فيرفع وجوبا ويترتب على الرفع الآثار المعنوية التي شرحناها، "في رقم ١ من هامش ص٣٤٤".

<<  <  ج: ص:  >  >>