للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأداة الرابعة: فاء السببية الجوابية١:

معناها: يتضح من الأمثلة التالية:

١- لا يغضب العاقل فيفقد صواب الرأي، ولا يتبلد فيفقد كريم الشعور.

٢- لست أنكر الفضل فأتهم بالجحود أو بالحقد، ولست أبالغ في الثناء، فأتهم بالغفلة أو الرياء.

٣- لا تصاحب غادرا فينالك غدره، ولا تأتمن خائنا فتصيبك خيانته.

٤- أتعرف لنفسك حقها فتصونها عن الهوان؟ وهل تدرك أن الكبر كالضعة؛ كلاهما بلا فتحذره؟.

فإن الناطق بمثل: "لا يغضب العاقل؛ فيفقد صواب الرأي" ... يريد أمرين معا، هما: نفي الغضب عن العاقل، وبيان ما يترتب على نفيه من عدم فقد الرأي الصائب؛ فكأنه يقول: العاقل لا يغضب؛ فيترتب على عدم غضبه أنه لا يفقد صواب الرأي، أي: لا يغضب، فلا يفقد سديد الرأي. فما بعد "الفاء" مسبب عما قبلها، وكلاهما منفي، هنا٢.

والناطق بمثل: "لا يتبلد فيفقد كريم الشعور. يريد أمرين معا؛ هما:


١ تجري عليها الأحكام العامة المشتركة التي سبقت في رقم ٢ من هامش ص٣١٧.
٢ لكي يكون المعنى -في هذا المثال وأشباهه- غاية في الوضوح نلاحظ عند استخلاصه الأمور الآتية التي تشترك في تكوينه، والتي سيجيء تفصيل الكلام عليها بعد قليل، وأهمها:
أ- أن فاء السببية هي للعطف أيضا؛ فتفيد الترتيب والتعقيب مع السببية.
ب- أن المعطوف بها هو المصدر المؤول من "أن" المضمرة وجوبا وما دخلت عليه.
ج- أن المعطوف عليه لا بد أن يكون مصدرا مؤولا كذلك. ولا بد أن يكون موجودا، ولو من طريق التصيد.
د- أنها إذا وقعت بعد نفي فقد يكون المنفي هو ما قبل الفاء وما بعدها معا؛ كما في المثال الأول ... ، وقد يكون أحدهما وحده؛ "طبقا للبيان الهام الأساسي الذي يأتي في ص٣٥٩" والاهتداء إلى المنفي أمر ضروري لسلامة المعنى. وتطبيقا لهذه الأمور نقول في المثال الأول لاستخلاص معناه: لا يكون من العاقل غضب ففقد صواب الرأي -أي: لا يكون من العاقل غضب يعقبه ويتسبب عنه فقد صواب الرأي. ولما كان السبب "العلة" وهو: غضب العاقل منفيا وجب أن يكون المسبب عنه منفيا كذلك، وهو فقده صواب الرأي: وبهذا يكون النفي منصبا على ما قبل الفاء وما بعدها معا، وينتهي الأمر إلى المعنى المراد هو: لا يغضب العاقل؛ فلا يفقد صواب الرأي. وهكذا الباقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>