للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عدم التبلد، وما يترتب عليه من عدم فقد الشعور الكريم؛ فكأنه يقول: لا يتبلد، وعدم تبلده يؤدي إلى عدم فقده الشعور الكريم، أي: لا يتبلد فلا يفقد كريم الشعور ... فما بعد الفاء مسبب عما قبلها. وكلاهما منفي هنا أيضا.

والناطق بمثل: لست أنكر الفضل فأتهم بالجحود ... يريد الأمرين، عدم إنكار الفضل، وما يؤدي إليه من عدم الاتهام بالجحود. ومثل هذا يقال في الشطر الثاني من المثال.

والناطق بمثل: لا تصاحب غادرا فينالك غدره ... يريد أمرين معا؛ النهي عن مصاحبة الغادر، وبيان ما يترتب على مصاحبته من الإصابة بغدره. ومثل هذا يقال في بقية المثال.

والناطق بمثل: أتعرف لنفسك حقها؛ فتصونها عن الهوان؛ يريد أمرين؛ سؤال المخاطب عن معرفته حق نفسه، وبيان ما تؤدي إليه هذه المعرفة. كما يسأله عن إدراكه حقيقة الكبر والضعة، وبيان ما يترتب على هذا الإدراك ...

فنلحظ في كل الأمثلة السالفة -وأشباهها- أن "الفاء" تتوسط أمرين السابق منهما، هو "العلة" أو "السبب" في المتأخر الذي يليها، ولهذا سميت: "فاء السببية"، أي: "الفاء" التي معناها الدلالة على أن ما بعدها مسبب عما قبلها، ولا بد -هنا- أن يليها مضارع منصوب.

كما نلحظ شيئا آخر؛ هو: دلالتها على "الجواب"١. والمراد من دلالتها على الجواب: أن ما بعدها مترتب على ما قبلها ترتب الجواب على السؤال؛ سواء أكان ما قبلها مشتملا على استفهام: كالمثال الرابع، أم غير مشتمل عليه، كبقية الأمثلة. ولهذا توصف بأنها: "الجوابية"١ أي: التي تدل على أن ما بعدها


١ و١ سبق الإيضاح الوافي لمعنى: "الجواب"، وتحديد الغرض منه عند الكلام على "إذن" الناصبة، ص٣٠٨؛ فأمر الجواب هنا وهناك واحد. أما المعنى والعمل فمختلفان من نواح متعددة. ويزيد النحاة هنا: أن "فاء السببية" لا بد أن يسقبها نفي محض أو طلب "أو ملحق بهما، كما هو مبين في عملها في الصفحة التالية" وكلاهما يشبه الشرط في أن مضمونه غير محقق الوقوع ولا مقطوع بحصوله، وما بعد الفاء مسبب عما قبلها؛ كتسبب جواب الشرط على فعل الشرط.
هذا، والعدول عن العطف المحض بالفاء إلى العطف بها أيضا ولكن مع نصب المضارع بأن المضمرة وجوبا، هو الرمز القاطع الذي يدل على التسبب.
"انظر رقم ١ من الهامش الآتي".

<<  <  ج: ص:  >  >>