للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يصح جزم المضارع وإنما يجب رفعه؛ ففي مثل: ما يحسن العيي الكلام يملك به أفئدة السامعين ... ، لا يصح جزم المضارع: "يملك" في جواب النفي عند غياب فاء السببية١ إلى عند الكوفيين الذين يجيزون جزمه على اعتباره جوابا للنفي. أما غيرهم فلا يبيحه، ويوجب رفع المضارع: "يملك" على اعتباره في هذا المثال بدل مضارع من المضارع الذي قبلهن أو على اعتباره شيئا آخر في أمثلة تخالف السالف، وتقتضي معانيها إعرابها على غير البدلية.. كرفعه على اعتبار الجملة المضارعية مستأنفة٢، أو صفة، أو حالا ... ، أو غير هذا مما تصلح له في موضعها ويقتضيه المعنى ...

ب- وعند فقد الشرط الثاني -"بسبب أن المضارع بعد الفاء المختفة ليس مرادا منه أن يكون جوابا للطلب ولا جزاء، وأن المعنى على غيرهما"- لا يصح جزمه، وإنما يجب رفعه؛ مراعاة لاعتبار معنوي٣ أو أكثر مما يقتضي رفعه. ومن


١ للنحاة في منع الجزم بعد النفي تعليل غريب يجب رفضه، فهو يقولون: إن النفي يقتضي عدم وقوع المنفي، ويستلزم عدم حصوله. والإثبات على نقيضه، يستلزم تحقق شيء ويقتضي وقوعه. فكل منها يقتضي تحقق أمر حتما. برغم أن التحقق مختلف؛ إذ النفي يقتضي تحقق عدم الوقوع، والإثبات يقتضي تحقق الوقوع، فهما مشتركان في أمر واحد، هو: "التحقق"، وإن كانت جهة التحقق مختلفة وبسبب هذا الاشتراك حمل المضارع الواقع في جواب النفي على المضارع الواقع في جواب الإثبات؛ والمضارع في جواب الإثبات لا يصح جزمه، فكذلك ما حمل عليه لا يصح جزمه، حملا للشيء على نقيضه.
وهذا تعليل فاسد، ولو أخذنا به وتكلفنا في مسائل أخرى -وهذا ممكن- كما تكلفناه هنا لفسدت اللغة، وانهارت دعائمها وأصولها. ومثله التعليل الآخر الذي يرى أن عدم الجزم بعد النفي سببه أن النفي خبر محض فليس فيه شبه بالشرط ...
أما التعليل الصحيح الذي يجب الاقتصار عليه فهو: "السماع" عن العرب. وأنها لم تجزم المضارع بعد النفي إذا سقطت منه فاء السببية، وكل تعليل غير هذا فيه مضيعة للوقت والجهد، وإفساد للمنطق الصحيح..
٢ سواء أكا الاستئناف بيانيا أم غير بياني. و"البياني" هو الذي تنقطع بسببه الصلة الإعرابية بين الجملة المستأنفة والجملة التي قبلها، دون الصلة المعنوية بينهما؛ فكلتاهما مستقلة بنفسها في الأعراب وحده، أما في المعنى فلا بد بينهما من نوع ارتباط يجعل الثانية -في الغالب- بمنزلة جواب عن سؤال ناشئ عن معنى الأول. أما غير البياني فتنقطع فيه الصلة الإعرابية والمعنوية بين الجملتين، فتكون الجملة المستأنفة مستقلة بإعرابها وبمعناها الجديد.
٣ أشرنا كثيرا إلى أن كل معنى معين لا بد له من ضبط العبارة ضبطا معينا؛ وإذا تغير هذا الضبط تبعه تغير المعنى فلكل ضبط إعرابي غاية معنوية خاصة به.

<<  <  ج: ص:  >  >>