للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على وقوع الشرط عند عدم المانع١:

١- منها: ما وضع في أصله للدلالة على شيء يعقل -غالبا- فإذا تضمن معه معنى الشرط -صار أداة شرطية، للعاقل، جازمة. والغالب أيضا أنه لا يدل بذاته على زمن، وهو: "من"٢، كقوله تعالى: {مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ} ، {وَلا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا} . وقول الشاعر يمدح قوما:

من تلق منهم تقل لاقيت سيدهم ... مثل النجوم التي يسري بها الساري

٢- ومنها ما وضع في أصله للدلالة على شيء لا يعقل -غالبا- فإذا تضمن معه معنى الشرط صار أداة شرطية لغير العاقل، جازمة. والغالب أنه لا يدل بذاته على زمن. وهو "ما"٢، و"مهما". كقوله تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ


١ من الموانع ما سيجيء بيانه في ص٤٣٤ رقم ٤، عند الكلام على أنواع "إن" في "ب".
٢ و٢ وللنحاة رأي دونوه في باب "الموصول": ملخصه:
أ- أن "من" للعاقل؛ كالتي في قولهم: "من يقصر في التوقعى والحذر، يعرض نفسه للخطر". وتستعمل في غيره مجازا -سواء أكان المجاز علاقته التشبيه فيكون استعارة، أم كانت علاقته شيئا آخر غير التشبيه فيكون مجازا مرسلا ... ، كقول الشاعر:
أسرب القطا هل من يعير جناحه؟ ... لعلي إلى من قد هويت أطير
وقول الآخر:
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي ... وهل يعمن من كان في العصر الخالي
ومن المجاز تغليبه على غير العاقل عند اختلاطه معه؛ نحو: "ولله يسجد من في السموات ومن في الأرض"، أو اقترانه به في عموم فصل بمن؛ نحو قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ} لاقترانه بالعاقل المندرج تحت قوله: "كل دابة".
ب- سبق في باب: "الموصول" "ج١ م٢٦ ص٣٤٩ عند الكلام على: "من، الموصولة" أن كلمة: "من" مطلقا -موصولة وغير موصولة- هي من الكلمات التي لفظها مفرد مذكر، ولكن معناها قد يخالف لفظها، ولهذا يصح أن يعود الضمير عليها مفردا مذكرا؛ مراعاة للفظها -وهو الأكثر- ويصح مراعاة المعنى المراد، وهو كثير. فمن الأول قوله تعالى في المشركين: {وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهِ} ومن الثاني قوله تعالى فيهم: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} وقد اجتمع الأمران في قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} -راجع الموضع السالف حيث البيان الشامل والأمثلة المتعددة.
وأما: "ما" فإنها لغير العاقل؛ كقوله تعالى: {مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ} وتستعمل قليلا في العاقل إذا =

<<  <  ج: ص:  >  >>