للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الدعامة، مكين الأساس. حتى وصل إلى أهل العصور الحديثة التى يسمونها: "عصور النهضة"، راسخًا، قويًّا؛ من فرط ما اعتنى به الأسلاف، ووجهوا إليه من بالغ الرعاية؛ فاستحقوا منا عظيم التقدير، وخالد الثناء. وحملوا كثيرًا من علماء اللغة الأجانب على الاعتراف بفضلهم، والإشادة ببراعتهم١ ...

هذه كلمة حق يقتضينا الإنصاف أن نسجلها؛ لننسب الفضل لروّاده، وإلا كنَّا من عصبة الجاحدين، الجاهلين، أوالمغرورين.

٢- وليس من شك أن التراث النحوى الذى تركه أسلافنا نفيس غاية النفاسة، وأن الجهد الناجح الذى بذلوه فيه خلال الأزمان المتعاقبة جهد لم يهيأ للكثير من العلوم المختلفة فى عصورها القديمة والحديثة، ولا يقدر على احتمال بعضه حشود من الثرثارين العاجزين، الذين يوارون عجزهم وقصورهم - عَلِمَ الله - بغمز "النحو والصرف" بغير حق، وطعن أئمته الأفذاذ.

بيد أن "النحو"- كسائر العلوم - تنشأ ضعيفة، ثم تأخذ طريقها إلى النمو، والقوة والاستكمال بخطا وئيدة أوسريعة؛ على حسب ما يحيط بها من صروف وشئون. ثم يتناولها الزمان بأحداثه؛ فيدفعها إلى التقدم، والنمو، والتشكل بما يلائم البيئة، فتظل الحاجة إليها شديدة، والرغبة فيها قوية. وقد يعوّقها ويحول بينها وبين التطور، فيضعف الميل إليها، وتفتر الرغبة فيها. وقد يشتط فى مقاومتها؛ فيرمى بها إلى الوراء، فتصبح فى عداد المهملات، أوتكاد.

وقد خضع النحوالعربى لهذا الناموس الطبيعى٢؛ فولد فى القرن الأول الهجرى ضعيفا، وحَبَا وئيدًا أول القرن الثانى، وشب -بالرغم من شوائب


١ من ذلك ما قاله العلامة الكبير: "دي بور" في كتابه: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ونصه - كما جاء في ترجمة الدكتور محمد أبو ريدة، ص ٤-:
"علم النحو أثر رائع من آثار العقل العربي، بما له من دقة في الملاحظة، ومن نشاط في جمع ما تفرق. وهو أثر عظيم يرغم الناظر فيه على تقديره، ويحق للعرب أن يفخروا به."
٢ هذا النسب صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>