والرأيان السالفان فصيحان، ولكل منهما مزيته التي تدعو إلى تفضيله حينًا، أو العدول عنه إلى نظيره حينًا آخر، تبعًا لما يقضي به المقام الكلامي، فمزية الحكاية أنها تحمل الذهن سريعًا إلى الحكم على اللفظ بأنه معاد ومرددًا لداعٍ بلاغي، والذي يدل على هذه الإعادة مخالفة اللفظ في ظاهره لما تقتضيه العوامل من حركات إعرابية معينة. فمن يسمع من فصيح: "قطف" السابقة ببقائها على حركتها الأصلية مع اختلاف العوامل يدرك سريعًا أنها معادة موددة، أي: "محكية" فلو لم تكن في التركيب السابق محكية لكانت مبتدأ مرفوعًا، فعدم رفعها وتركها على حالتها الأولى دليل على: "الحكاية" أي: على أن الناطق بها يرددها بعد أن سمعها من غيره أو قرأها، فنطق بها من غير إدخال تغيير على حركاتها مطلقًا، الناطق بها يرددها بعد أن سمعها من غيره أو قرأها، فنطق بها من غير إدخال تغيير على حركاتها مطلقًا، ولو اقتضى المقام الإعرابي الجديد إدخال تغيير على حركاتها. ويظهر هذا بوضوح حين نسمع - مثلا - المغني يترنم بكلمة: "قطف" جميلة، فيكون النطق بها على سبيل الحكاية إعلانًا ورمزًا إلى أنها جميلة في حالة معينة لنا، وصورة خاصة دون غيرها، بخلاف ما لو قلنا: قطف جميلة، فليس في هذا التعبير، ما يدل على ذلك التقييد المهم. ومما يزيد الأمر وضوحًا ما قالوه في موضع آخر، فمن الأعلام من اسمه "أبو الفضل"، و"أبو جهل" ... فإذا سمعنا من الخبير بالأساليب الصحيحة، الحريص على سلامتها، قوله -مثلًا- مدح الناس "أبو الفضل"، وذموا "أبو جهل" عرفنا سريعًا أن هذا المتكلم الفصيح لم يقل "مدح الناس أبا الفضل وذموا أبا جهل" وإنما قال: "أبو" فلا بد أن يكون هذا على سبيل الحكاية، لحكمة بلاغية، قد تكون رغبته في إظهار أن: "أبو الفضل" و"أبو جهل" علمان لشخصين معينين، وليس المراد منهما مطلق رجل متصف بالفضل أو بالجهل، إذ لو قال "مدح الناس أبا الفضل وذموا أبا جهل" لجاء الكلام خاليا من التعيين الدقيق، محتملا "العلمية" ومحتملا أن يشمل كل صاحب فضل، أو صاحب جهل من غير تخصيص.... أما الرأي الآخر فمزيته عمومه وشموله كل الحالات المختلفة، ومنها السابقة، ودخوله تحت القاعدة الإعرابية المطردة، ففيه نوع تيسير. ولهذه المسألة صلة بما يجيء في جـ ٤ ص ٦٦٩م ١٧٧ باب: "النسب" وما فيها من خلاف، من ناحية تشديد الحرف الثاني من الكلمة الثنائية، وعدم تشديدها.