للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثانيهما: أن الكلام يستغنى عنها، فلا ينقص معناه بحذفها. لا يخفى المراد منه، وكل فائدتها أنها تمنح المعنى الموجود قوة، وتوكيداً؛ فليس من شأنها أن تُحدِث معنى جديداً، ولا أن تزيد فى المعنى الموجود شيئاً إلا التقوية. فحين نقول: الوالد عطوف، فإننا نريد من هذه الجملة نسبة العطف والحنان إلى الوالد، وإلصاقهما بذاته: فلوقلنا؛ والله الوالدُ عطوف. أو، إن الولد عطوف ... لم يزد المعنى شيئاً، ولم ينقص؛ ولكنه استفاد قوة وتمكناً؛ بسبب القسَم، أو: "إنّ" وأشباههما. ومثل هذا يحصل من زيادة "كان" حين نقول: الوالد - كانض - عطوفٌ. وفرق كبير بين كلمة تنشئ معنى جديداً، أوتزيد فى المعنى القائم، وكلمة أخرى لا تنشئ معنى جديداً ولا تزيد فى المعنى الموجود، ولكنها تقتصر على تأكيده وتقويته. لهذا تجردت كلمة: "كان" عند زيادتها من الحدث الذى يكون فى الفعل؛ فلا تحتاج إلى فاعل، ولا إلى اسم، وخبر، ولا لشئ آخر مطلقاً؛ لأن الذى يحتاج لذلك إنما هوالفعل الذى له حَدَث، ومنه: "كان" التامة أوالناقصة. أما الزائدة فمخالفة لهما فى ذلك؛ فهي مقصورة على نفسها حين تكون بصيغة الماضى.

والراجح أنها تدل على الزمن الماضى إذا كانت بصيغته. ولا سيما إذا توسطت بين "ما" التعجبية وفعل التعجب؛ فى مثل: ما - كان - أحسنَ صنيعك، وما - كان - أرَقّ حديثَك؛ فإنها فى هذه الصورة تدل على الزمن الماضى١، إذ المراد أن الحسن والرقة كانا فيما مضى٢ ولا تدل على غيره، ولا تحتاج لفاعل، ولا لشئ آخر، كما لا يحتاج عامل ليؤثر فيها.


١ والسبب هو أن التعجب لا يكون لا بصيغة الماضي، ومع أنه بصيغة الماضي لا يدل - في الأرجح - على زمن المضي- ولا غيره، لأنه صار مع التعجب إنشاء لمجرد التعجب، مسلوب الدلالة على الماضي، ولا أثر للزمن فيه. فلما دخلت عليه: "كان" بقيت محتفظة بدلالتها الزمنية الأولى، وصار فعل التعجب معها واقعا في الماضي دالا عليه، وإن سلب بغيرها الماضي. "راجع ما يختص بهذا في باب "التعجب" جـ٣ م ١٠٨ رقم ٣ من هامش ص ٣٢٨".
٢ راجع شرح المفصل جـ ٧ ص ١٠٥ وقد سبق - في آخر هامش ص ٦٧ - أن نقلنا كلامه الخاص بزيادة "كان".

<<  <  ج: ص:  >  >>