للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الحرف الثاني-: "لا" فهو للنفى. وفريق من العرب -كالحجازين- يُعْمِله عمل: "ليس" ويجعل النفى به منصبًّا مثلها على الزمن الحالى عند عدم قرينة تدل على زمن غير الحال١. وفريق آخر -كالتميميين- يهْمِله. تقول: لا معروفٌ ضائعاً، أو: لا معروفٌ "ضائعٌ"، بالإعمال أوالإهمال. وله في الحالتين الصدارة في جملته....٢

والمهم عند إعمالها هوفهم معناها، وإدراك أثرها المعنوى فى الجملة، ليحسن استخدامها على الوجه الصحيح١ وفيما يلي الإيضاح.

"ا" لا رجلٌ غائباً - تشتمل هذه الجملة على كلمة: "لا" النافية وبعدها اسم مفرد مرفوع، وبعده اسم منصوب. فما الذى تفيده هذه الجملة؟ تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم: "لا" مفرداً -أى: غير مثنى وغير مجموع- احتمال أمرين: نفى الخبر "وهو: الغياب" عن رجل واحد، ونفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً؛ فلا غياب لواحد أوأكثر.

ولوقلنا: لا رجلان غائبيْن، ولا رجالٌ غائبِين - لكان الأمر محتملا نفى الغياب عن اثنين فقط، أوعن جماعة فقط، ومحتملا أيضاً نفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً، أوعن جماعة فقط، ومحتملا أيضاً نفى الغياب عن جنس الرجل كله؛ فرداً فرداً؛ بحيث لا يخلوواحد من الحكم عليه بعدم الغياب.

"ب" لا طائرٌ موجوداً - تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم "لا" مفردًا أى: غير مثنى وغير مجموع - ما أفادته التى قبلها من احتمال أمرين؛ نفى وجود طائر واحد، ونفى وجود جنس الطائر كله؛ فرداً فرداً؛ بحيث لا يخلوواحد من الحكم عليه بعدم الغياب.

"ب" لا طائرٌ موجوداً - تفيد هذه الجملة التى يكون فيها اسم "لا" مفرداً أى: غير مثنى وغير مجموع - ما أفادته التى قبلها من احتمال أمرين؛ نفى وجود طائر واحد، ونفى وجود جنس الطائر كله؛ فرداً فرداً؛ فلا وجود لطائر واحد، ولا أكثر. ولوقلنا: لا طائران موجودَيْن، ولا طيورٌ موجودةً - لكان النفى إمَّا واقعاً على طائرين فقط، وإما واقعاً على جماعة فقط، وإما على الجنس كله في الصورتين -


"١، ١" إذا كانت مثل "ليس" في معناها وعملها أفادت نفي المعنى عن الخبر في الزمن الحالي، إلا إن دلت قرينة على أن نفي معنى الخبر في زمن آخر - كما تقدم هنا، وفي رقم ١ من هامش ص ٥٩٣ - وهذا إن كانت "لا عاملة عمل "ليس" فأما "لا" المهملة التي لا عمل لها في الجملة الاسمية -ولا في غيرها- فإنها من ناحية أثرها المعنوي في الجملة الاسمية - تشبه "لا" العاملة عمل "ليس" فهما في المعنى متشابهان، ولكنهما في الإعمال والإهمال مختلفان، فإحداهما تعمل والآخرى لا تعمل. "راجع الصبان أول باب: "لا" النافية للجنس".
فإن كانت "لا" المهملة داخلة على جملة فعلية فعلها ماض فإنها تنفي معناه في زمنه الخاص به وإن دخلت على مضارع فإنها -في الرأي الراجج- تخلص زمنه للمستقبل، وتنفي معناه في هذا الزمن المستقبل. والبيان في رقم ٣ من هامش ص ٥٩ "ويلاحظ أن المهملة يصح دخولها على الجملة الاسمية والفعلية".
٢ طبقا للرأي الراجح - انظر رقم ٢ من هامش ص ٦٠٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>