للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

= عليه من أن يكون التقدير، إن الله يصلون على النبي، فتختل المطابقة اللفظية بين اسم "إن" وخبرها، وهي لازمة كما قلنا، فإن لم يوجد ما يعين أحد التأويلين فهما - عندهم - جائزان.

كل هذا وما سبقه من تأويل عندهم، عناء لا مسوغ لاحتماله، يريحنا منه الأخذ بالرأي الذي يبيح الأمرين: الرفع والنصب بالتوجيه الذي شرحناه، فوق ما فيه من راحة أخرى، إذ يحمل القاعدة، واحدة مطردة، فيسوي بين العطف بعد مجيء خبر "أن" وقبل مجيئه.

على أننا نقول: حسب الناس في الصور السابقة كلها أن يحاكوا أساليب القرآن، والكلام العربي الفصيح، فلا نرهقهم بالتأويلات المختلفة، وفهمها، ومن شاء أن يؤول كلامهم بعد قبوله كما أول القرآن، فليفعل، وعلى ضوء ما يق يمكن الوصول إلى حكمين:

أولهما: فساد التركيب في مثل: "إن محمدا وإن عليا منطلقان، لاشتماله على خبر واحد لمتعاطفين تكررت فيهما "إن" فيكون معمولا واحدا لعاملين، هما: "إن" الأولى و "إن" الثانية وهو بهذه الصورة غير جائز، لأن كل عامل منهما يحتاج وحده إلى معمول خاص به "راجع الهمع جـ١ ص ١٣٥"

ثانيهما: توجيه الأساليب الآتية: تطبقا على ما سبق -:

"إن رجلا وغلاما حاضران". فكلمة "غلاما" منصوبة على أنها معطوفة عطف مفردات على اسم "إن" المنصوب لفظهه. ولو قلنا: إن رجلا وغلام حاضران، لكانت كلمة غلام " مرفوعة، لأنها معطوفة عطف مفردات على اسم "إن" باعتبار أصله المبتدأ قبل أن يصير اسم "إن" وكلمة: "حاضران" هي الخبر في الحالتين، لأنها مثنى، فهي مطابقة للمعطوف والمعطوف عليه معا.

أما إذا لم تطابق في مثل: إن رجلا وغلاما حاضر. تريد: إن رجلا حاضر، وإن غلاما حاضر، مع قيام قرينة تدل على هذا المراد- فالأصول اللغوية العامة لا تنع هذا الأسلوب، فيصح أن تكون كلمة. "حاضر" خبر "إن" المذكورة. وكلمة "غلاما" اسم "إن" المحذوفة مع خبرها، وهذه الجملة معترضة، ولا تصلح أن تكون معطوفة، لما سبق توضيحه - في الرأي الراجح.

وكذلك إ ن لم يتطابق في مثل: إن رجل وغلام حاضر. فكلمة "حاضر" خبر "إن" المذكورة "وغلام" مبتدأ خبره محذوف، والتقدير: إن رجلا حاضر، وغلام حاضر، وتكون الجملة الثانية معترضة أيضا - بين اسم إن وخبرها.

ويجوز في المثال الأول: "إن رجلا وغلاما حاضر" اعتبار كلمة "حاضر" خبر "إن" محذوفة وحدها. وخبر المذكورة محذوفة أيضا، والجملة الثانية معطوفة على الأولى عطف جمل.... وهكذا

ملاحظة: مما يجب التفطن له أن كل واحد من هذه الاعتبارات - وأشباهها- لا يصح الالتجاء إليه بداعي التمحل المحض في تصحيح كلمة لم يتضح في السياق مرماها المعنوي السليم ولا مهمتها في توضيح المراد، ولا يصح تلمس التصويب لمن نطق بها عفوا على غير هدى لغوي يؤدي إلى المعنى المقصود، وإلا صارت اللغة لعبا ولهوا. وإنما نلجأ إلى التأويل حين يكون هو الوسيلة لتحقيق المعنى المراد الصادر عن قصد، لقيام قرينة تفرضه وتأتي سواه.

وبالرغم من الاعتبارات السالفة تقضي الحكمة ألا نلجأ إلى استعمال تلك الأساليب ما وجدنا مندوحة للبعد عنها. ومن الخير أن أن نكتفي في العطف على اسم "إن" بضبط المعطوف منصوبا فقط، سواء. أكان العطق قبل مجيء الخبر أم بعده، لأن هذا هو المسلك الظاهر، المتفق عليه، والنهج الواضح الذي يعد اتباعه عن أهم مقاصد البلغاء. ما لم يوجد مقصد أسمى يدعو للعدول المحتم عنه، كاقتضاء المقام أن يكون العطف عطف جمل، لا عطف مفردات، لأن الأولى يؤدي غرضا غير الذي يؤديه الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>