للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يصح في الأمثلة السابقة وأشباهها -طبقًا، للرأي الشائع- أن يتصل بآخر الفعل ألف تثنية، ولا واو جماعة، ولا نون نسوة؛ فلا يقال: طلعًا النيران -أقبلوا المهنئون- برعن الفتيات١ ... إلا على لغة تزيد هذه العلامات مع وجود الفاعل الظاهر بعدها، وهي لغة فصيحة٢، ولكنها لم تبلغ من درجة الشيوع والجري على ألسنة الفصحاء ما بلغته الأولى التي يحسن الاكتفاء بها اليوم، والاقتصار عليها؛ إيثارًا للأشهر -وتوحيدًا للبيان- مع صحة الأخرى.

ومثل الفعل في الحكم السابق ما يشبهه في العمل، فلا يقال في اللغة الشائعة: هل المتكلمان غريبان؟ هل المتكلمون غريبون، بإعراب كلمتي: "غريبان" و"غريبون" فاعلًا للوصف، ويجوز على اللغة الأخرى٣.


١ لا يقال هذا ولو كانت التثنية والجمع من طريق التفريق والعطف بالواو؛ مثل: طلعا الشمس والقمر ... حضروا محمود، وصالح؛ وحامد ... تعلمن فاطمة، ومية وبثينة ...
٢ لأن الوارد المسموع بها كثير في ذاته، وإن كان قليلًا بالنسبة للوارد من اللغة الأخرى، ولا معنى لما يتكلفه بعض النحاة من تأويل ذلك الوارد المشتمل على علامة التثنة، أو الجمع مع وجود الفاعل الظاهر بعد تلك العلامة؛ قاصدًا بالتأويل إدخال تلك الأمثلة تحت حكم آخر لا يمنع اجتماع الضمير مع ذلك الاسم المرفوع في جملة فعلية واحدة؛ فهذا خطأ منهم؛ إذ المقرر أن القلة النسبية لا تمنع، القياس، وأنه لا يصح إخضاع لغة قبلية للغة أخرى ما دامت كلتاهما عربية صحيحة.
ويستدل الذين يجيزون الجمع من الأمرين بأمثلة كثيرة: منها قوله تعالى: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا} ... وقوله تعالى: {عَمُوا وَصَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ} بإعراب كلمة: "الذين" وكلمة "كثير" هي "الفاعل" والواو حرف محض وللدلالة على الجمع، وعليها قول الشاعر:
جاد بالأوال حتى ... حسبوه الناس حمقا
وقول الآخر:
لو يرزقون الناس حسب عقولهم ... ألفيت أكثر من ترى يتكفف
ولا داعي عندهم لإعراب الواو فاعلًا، مع إعراب الاسم الظاهر بدلًا، أو غيره من ضروب التأويل التي منها إعراب الاسم الظاهر مبتدأ متأخرًا، وتكون الجملة الفعلية قبله خبرًا متقدمًا ...
ومن البديه أن محاكاة القرآن في ألفاظه المفردة والمركبة محكاة دقيقة أمر سائغ بل مطلوب، فإذا حاكيناه في مثل الآيتين السابقتين -وغيرهما- كانت المحاكاة الدقيقة صحيحة قطعًا، ولا يجرؤ أحد أن يصف التركب بالخطأ، ومن شاء بعد ذلك أن يؤول تعبيراتنا بمثل ما أول من الآيتين فليفعل، فليس يعنينا إلا صحة التركيب المساير للقرآن وسلامته من الخطأ، سواء أكانت صحته وليدة التأويل أم غيره، فالمهم الصحة لأنوع التعليل.
٣ لعل الأخذ باللغة الأخرى التي تزيد هذه الحروف في آخر الفعل -أحسن في حالة الوصف؛ =

<<  <  ج: ص:  >  >>