للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثها: وجوب تأخيره عن عامله، كالأمثلة السالفة، وقد يوجد في بعض الأساليب الفصحى ما يوهم أن الفاعل متقدم، والواقع أنه ليس بفاعل في الرأي الأرجح؛ ففي مثل: "الخير زاد"، لا نعرب كلمة: "الخير" فاعلًا مقدمًا، وإنما هي مبتدأ، وفاعل الفعل بعده ضمير مستتر تقديره: "هو" يعود على الخير، والجملة الفعلية خبر المبتدأ، وفي مثل: إن ملهوف استعان بك فعاونه، تعرب كلمة: "ملهوف" فاعلًا١ بفعل محذوف يفسره الفعل بعدها؛ والتقدير: إن استعان بك ملهوف -استعان بك- فعاونه، ومثله: إن أحد استغاث بك فأغثه ...

وقوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ} ، فالفاعل لا يكون متقدمًا، ما الاسم التقدم على الفعل في تلك الأمثلة وأشباهها فقد يعرب حينًا، مبتدأ، وفاعل الفعل الذي بعده ضمير مستتر يعود على ذلك الاسم، وقد يعرب في حالات أخرى فاعلًا لفعل محذوف يفسره المذكور بعده٢، أو غير هذا من الأوجه الإعرابية الصحيحة التي تبعده عن أن يكون فاعلًا متقدمًا.

رابعها: الشائع أن يتجرد عامله "فعلًا كان، أو شبه فعل" من علامة في آخره تدل على التثنية، أو على الجمع حين يكون الفاعل اسمًا ظاهرًا مثنى أو جمعًا، نحو: طلع النيران -أقبل المهنئون- برعت الفتيات في الحرف المنزلية، فلا


١ بيان السبب في ص ١٤٤.
٢ هذا رأي فريق كبير من النحاة، وخاصة البصريين ويرى غيرهم -ولا سيما الكوفيين- جواز تقدم الفاعل على عامله، وهم يعربون الاسم الظاهر المرفوع من الأمثلة المذكورة فاعلًا.
وبالرغم من الميل للتيسير وتقليل الأقسام يبدو رأي البصريين هنا أقرب مسايرة للأًصول اللغوية؛ ذلك أن مهمة "المبتدأ" البلاغية تختلف عن مهمة "الفاعل"، فلا معنى للخلط بينهما، وإزالة الفوارق التي لها آثارها في المعنى -كما سيجيء إيضاحه مفصلًا في مكانه المناسب ص ١٤٤ من باب "الاشتغال".
وفي الحكم الثاني والثالث يقول ابن مالك:
وبعد فعل فاعل، فإن ظهر ... فهو، وإلا فضمير استتر
أي: أن الفعل لا بد له -في الأغلب- من فاعل بعده، فإن ظهر فهو المطلوب، ولا استتار ولا حذف، وإلا فهو ضمير مستتر ... أو محذوف إن كان الموضع موضع حذفه.

<<  <  ج: ص:  >  >>