للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قرارًا من الإضمار قبل الذكر، ومتقدمًا حينًا آخر إذا تعذر تأخيره لسبب ما تخيلوه، وربما استغنوا عن الضمير، وأحلوا محله اسمًا ظاهرًا مناسبًا إذا أدى الإضمار إلى الوقوع في مخالفة نحوية عندهم.

ولقد نشأ من مراعاة أحكامهم هذه أساليب بلغت الغاية في القبح، لا ندري: ألها نظير في الكلام العربي، أم ليس لها نظير؟ كقولهم ما نصه الحرفي: "استعنت واستعان علي زيد به"، "وطننت منطلقة وظننتي منطلقًا هند إياها"، "وأعلمني وأعلمته إياه إياه زيد عمرًا قائمًا"، "وأعلمت واعلمنى زيدًا عمرا قائمًا إياه إياه ... و ... و ... "١، وهذا قليل من الأمثلة البغيضة، التي لا يطمئن المرء إلى أن لها نظائر في الأساليب المأثورة، ومن شاء زيادة عجيبة منها فليرجع إلى مظانها في المطولات.

ج– وأما الخضوع إلى الفلسفة العقلية الوهمية فواضح في عدد من مسائل هذا الباب؛ منها: تحتيمهم التنازع في مثل: قام وذهب محمد؛ حيث يوجبون أن يكون الفاعل: "محمد" لأحد الفعلين، وأما فاعل الآخر فضمير، ولا يبيحون أن يكون لفظ: "محمد" فاعلًا لهما؛ بحجة "أن العوامل كالمؤثرات فلا يجوز اجتماع عاملين على معمول واحد"٢، ولا ندري السبب في منع هذا الاجتماع مع إباحته لو قلنا: "قيام محمد وذهب"، فإن فاعل الفعل: "ذهب" ضمير يعود على محمد، فمحمد في الحقيقة فاعل الفعلين؛ ولا يقبل العقل غير هذا ...

من كل ما سبق يتبين ما اشتمل عليه هذا الباب من عيوب الاضطراب؛ والتعقيد، والتخيل الذي لا يؤيده –في ظننا– الفصيح المأثور.

ومن سلامة الذوق الأدبي وحسن التقدير البلاغي الفرار "من محاكاة الصور البيانية، وأساليب التعبير الواردة بهذا الباب - ولو كان لها نظائر مسموعة – لقبح تركيبها، وغموض معانيها، وصعوبة الاهتداء إلى صياغتها الصحيحة ...


١ الأشموني – في هذا الباب – عند شرح بيت ابن مالك الذي شطره الأخير:
وأخرنه إن يكن هو الخبر
وكذا في المطولات الأخرى.
٢ حاشية الصبان وغيره، وقد أجاز الاجتماع فريق آخر ودفع الإجازة فريق ثالث! وهكذا دواليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>