للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن العرب التزموا حذف عامله باطراد في بعض مواضع معينة، وأنابوا عنه المصدر المؤكد؛ فعل محله، وعميل عمله في رفع الفاعل، ونصب المفعول، وأغنى عن التلفظ بالعامل، وعن النطق بصيغته؛ وصار ذكر العامل ممنوعًا معه؛ لأن المصدر بدل عنه، وعوض عن لفظه ومعناه١؛ ولا يجتمع العوض والمعوض عنه٢.

ولما كان العرب قد التزموا الحذف "والإنابة – معًا - باطراد في تلك المواضع، لم يكن بد من أن نحاكيهم، ونلتزم طريقتهم الحتمية في حذف العامل في تلك المواضع، وفي إنابة المصدر المؤكد عنه، ولهذا قال النحاة:

إن عامل المصدر المؤكد لا يحذف جوازًا –في الصحيح– وإنما يحذف وجوبًا في المواضع التي التزم فيها العرب حذفه لحكمه مقصودة، مع إقامة المصدر المؤكد مقامه، والأمران متلازمان.

ومع أن العامل محذوف وجوبًا، فإنه هو الذي ينصب المصدر النائب عنه "أي: أن المصدر نائب عن عامله المحذوف، ومنصوب به معًا".

أما المواضع التي ينوب فيها هذا المصدر عن عامله٣ المحذوف وجوبًا، فبعضها خاص بالأساليب الإنشائية الطلبية، وبعض آخر خاص بالأساليب الإنشائية غير الطلبية، أو بالأساليب الخبرية المحضة٤.


١ هذا المصدر النائب أساسه المبالغة، فهو أبلغ وأقوى في تأدية المعنى من عامله.
٢ سبقت الإشارة "في رقم ٤ من هامش ص ٢٠٩، وفي رقم ١ من هامش ص ٢٢٥ إشارة أيضًا" إلى أن الأفضل اعتبار المصدر النائب عن عامله قسمًا مستقلًا بذاته يزاد على الأقسام الثلاثة المشهورة، والسبب أن كثيرًا من المصادر النائبة عن عاملها المحذوف قد يكون مؤكدًا لعامله، والأصل في المؤكد ألا يعمل، وألا يحذف عامله ... و ... مع أن المؤكد هنا يعمل ويحذف عامله، فيقع التعارض والتناقص بين حكم المؤكد هنا وحكمه في ناحية أخرى، ولا سبيل للتغلب على هذا التعارض والتناقض إلا بالتأويل والتقدير؛ وهذا معيب أو باعتبار المؤكد هنا، والمحذوف عامله وجوبًا، قسمًا مستقلًا، ولا ضرر في هذا بل فيه تغلب على الصعوبة السالفة.
٣ بعض المصادر المؤكدة قد تنوب عن عوامل مهملة، أو ليست من لفظها؛ فتكون مقصورة على السماع، كما يجيء في ص ٢٢٣ مثل: ويح، ويل ... وسيجيء الكلام عنها في الزيادة، ص ٢٣٠.
٤ سبق في جـ١ ص٣٧٤ م٢٧ إيضاح للجملة الخبرية، والجملة الإنشائية. وملخصه: أن الجملة الخبرية هي التي يكون معناها صالحا للحكم عليه بأن صدق أو كذب، من غير نظر لقائلها من ناحية أنه معروف بهذ أو بذاك، مثل: نزل المطر أمس، فهي جملة صالحة، لأن توصف بأنها - في حد ذاتها - صادقة أو كاذبة ...
والجملة الإنشائية هي التي يطلب بها إما حصول شيء، أو عدم حصوله، وإما إقراره والموافقة عليه، أو عدم إقراره، فلا دخل للصدق أو الكذب فيها. =

<<  <  ج: ص:  >  >>