وأما الذين قالوا بالجواز مطلقًا، فمثلوا له بقول الشاعر: وما سعاد غداة البين إذ رحلوا ... إلا أغن عضيض الطرف مكحول فالظرف: "غداة" ظرف للنفي، أي: انتفى كونها في هذا الوقت إلا كأغن، ولا يصح تعلقه بما بعد "إلا"؛ لأن معمول المستثنى لا يتقدم عليهما كما سيجيء في بابه ص ٣٢٨ م ٨١، ومثل: ما ضربت الغلام للتأديب، فإن قصدت نفي ضرب معلل بالتأديب فالجار والمجرور متعلقان بالفعل، والمنفي ضرب مخصوص، وللتأديب تعليل للضرب المنفي، أما إذا قصدت نفي الضرب على كل حال فالجار والمجرور متعلقان بالنفي، والتعليل له، أي: أن انتفاء الضرب كان لأجل التأديب؛ لأنه قد يؤدب بعض الناس بالصفح عنه، وتركك إياه دون أن تضربه. ومثله في التعلق بحرف النفي عندهم: ما أكرمت المسيء لتأديبه، وما أهنت المحسن لمكافأته؛ إذ لو علق هذا بالفعل لفسد المعنى المراد، ومثل هذا قوله تعالى: {مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ} ؛ فالباء متعلقة بالنفي؛ إذ لو علق الجار والمجرور بكلمة: "مجنون" ولم يتعلقا بالنفي لأفاد نفي جنون خاص؛ هو الجنون الذي يكون من نعمة الله، وليس في الوجود جنون هو نعمة، ولا المراد نفي جنون خاص ... و ... ثم قال صاحب المغني تعليقًا على هذا الرأي ما نصه: "هذا كلام بديع، إلا أن جمهور النحويين لا يوافقون على صحة التعلق بالحرف، فينبغي على قولهم أن يقدر التعلق بفعل دل عليه النافي ... و ... ". ا. هـ. وإذا كان الكلام السالف بديعًا "كما يقول بحق صاحب المغني"، فكيف لا يوافق عليه جمهرة النحاة بعد ما بدا له من تلك الآثار المعنوية الهامة التي كشفها أصحابه، وأبانوا جليل قدرها؟ ولم التقدير والتأويل من غير داع؟ لهذا لم يكن بد من الاطمئنان إلى ذلك الكلام والاقتصار عليه، وإن خالفه الجمهور بغير حجة واضحة، اللهم إلا إن كان القصد أن التعلق بالفعل الذي يدل عليه النافي أظهر وأبين، فهذا صحيح. ١ و ١ تكلمنا بإسهاب على الظرف "اللغو" والظرف "المستقر" بفتح القاف، وعن =