وأصله أن عمرو بن العاص حين نزل على مصر ضرب فى منزله لقتالهم بيتا من أدم أو شعر، فلما فتحت مصر، وحاز «١» عمرو من معه، ما كان فى حصنها أجمع على المسير إلى الإسكندرية، وأمر بفسطاطه أن يقوّض، فإذا بيمامة «٢» قد باضت فى أعلاه، فقال: لقد تحرّمت بجوارنا؛ أقروا الفسطاط حتى تنقف «٣» ويطير فراخها؛ فأقر فسطاطه، ووكل به من يحفظه ألّا يباح «٤» ، ومضى إلى الإسكندرية، فأقام عليها ستة أشهر حتى فتحها الله عليه، فكتب إلى عمر يستأذنه فى سكنها فكتب إليه: لا تنزل بالمسلمين منزلا يحول بينى وبينهم بحر ولا نهر؛ فقال عمرو لأصحابه: أين ننزل؟ قالوا: نرجع إلى فسطاطك فيكون على ماء وصحراء فرجعوا؛ ونزل عمرو فيه، ونزل الناس حوله، وجعلوا يقولون: نزلت عن يمين الفسطاط وشماله. فسميت البقعة بالفسطاط لذلك، وتنافس للناس فى الخطط فوّلى عمرو على الخطط معاوية بن خديج، وشريك بن سمى، وعمرو ابن مخرّم «٥» ، وجبريل بن باسرة «٦» المعافرى؛ فكانوا هم الذين تولّوا إنزالهم، وقد كان رجل يسمّى قيسبة حاز الموضع الذي بناه عمرو بن العاص، وكان جبانة، فلما رجعوا إلى الفسطاط سأل عمرو قيسبة فى منزله هذا أن يجعله مسجدا فتصدّق به قيسبة على المسلمين؛ فبناه عمرو مسجدا، وجعل طوله خمسين ذراعا فى ثلاثين، ثم زيد فيه بعد ذلك بهذا هو الجامع المعروف بجامع عمرو ابن العاص.
ثم بعد ذلك شكا أهل مصر إلى ابن طولون ضيق جامعهم- يعنى جامع عمرو بن العاص- فأمر ببناء جامع، بجبل يشكر جزيلة «٧» ، وهو الآن بين مصر والقاهرة، فبنى جامعه المعروف بجامع ابن طولون، وخرب الفسطاط بعد ذلك حتى خلا أكثره فلم يبق إلا نفر يسير، وبنيت القاهرة المعزية إلى جانبه، ونزل الفرنج على القاهرة. فأضرم أهل مصر النار فى البلد لئلا يملكه العدوّ حتى لم يكن لهم طاقة على دفعه.
فلما قدم صلاح الدين يوسف بن أيوب إلى مصر أمر ببناء سور على القاهرة والفسطاط والقلعة