القبائل والعشائر المختلفة في مؤتمر عام بايعوا بيعة شرعية الأمير عبد القادر بن محي الدين الهاشمي، وعاهدوه على السمع والطاعة، وكان الأمير يومئذ في الرابعة والعشرين من عمره عالما فاضلا تقيا نقيا شاعرا فصيحا شجاعا باسلا بعيد النظر عميق التفكير ولد سنة ١٨٠٧م وبويع بالإمارة سنة ١٨٣٢م فأنشأ دولة فتية قوية عاشت سبعة عشر عاما، ولو كان يشرف على الأمة من قبل الاحتلال لما آل أمره الى الاستسلام ولما استطاع الجيش الفرنسي أن يحتل البلاد ...
يقول المؤرخ الفرنسي (أوستان برنار) عن أخلاق الأمير وصفاته ودينه وشجاعته - والفضل ما شهدت به الأعداء - قال ان الأمير عبد القادر قد حج مع والده سنة ١٨٢٧ م، ولما استولى الفرنسيون على وهران قام الشريف محي الدين والده يقاتلهم، وفي تشرين الثاني من سنة ١٨٣٢ م، اجتمعت في سهل (ايغريسن) ثلاث قبائل وهى: هاشم، وبنو عامر، وغرابة منادية بعبد القادر أميرا على البلاد ...
وقد بدأت ثورة الأمير صغيرة ولكنها ما لبثت أن اشتدت واتسعت بسبب ترددنا وحاجة البلاد الى حكومة تقضى على الفوضى العامة التي انتشرت في كل مكان وكنا عاجزين على القضاء عليها ...
ولقد أظهر الأمير بعد أن أسند اليه الأمر على الرغم من أنه ابن الزوايا والطرق حنكته السياسية وبراعته العسكرية كانتا فائقتين، وكان يتمتع بصفات تدل على أنه خلق ليحكم، كان بسيطا في لباسه، متواضعا في معشره أنيقا جميلا فصيحا شجاعا فارسا. وبالتالي فقد كان له هدوء الدبلوماسي المسلم وسكينته ولباقته، وكان متدينا عن اخلاص ومن صميم فؤاده، ولم يطلب الامارة لإشباع أطماع نفسه، بل طلبها ليقود أمته في طريق الفلاح، كان قاسيا عند اللزوم رحيما عند الاقتضاء، وكانت شدته ولبنه بحسان وتقدير، وقليل مثله في المسلمين من كان يدرك معنى الدولة ادراكا تاما كما كان يدركها هو بكل تفصيلاتها وجزئياتها من حيث النظام والإدارة، وجباية الضرائب، وتنظيم