بأعمال الاستعمار نحو المواطنين الأحرار، وأكثر ما كانت تقع مشادة عنيفة بينه وبين المناضلين ومصادمة دامية تسفر عن جرحى ونفى وامتلاء السجون والقتل والتعذيب ومصادرة الأموال حتى أصبحت هذه الاحوال عادية.
وبجانب هذين الحزبين تأسست حركة دينية إصلاحية وإذا قلنا حركة دينية فهي عبارة عن الروح الوطنية الخالصة والقومية الصميمة، لأن الدين لا يفرق بين الأخلاق والاقتصاد، ولا في السياسة والاجتماع، فهذه الأشياء كلها جزء لا يتجزأ منه.
هذه الحركة هي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين أنشئت سنة ١٩٣١م تحت رئاسة الشيخ عبد الحميد بن باديس تغمده الله برحمته، فكانت على رأس هذه الهيئة نخبة من العلماء العاملين منهم الشيخ البشير الإبراهيمي، والشيخ العربي التبسي الشهيد، والشيخ مبارك الميلي، والشيخ الطيب العقبي، وخير الدين، وتوفيق المدني وغيرهم كثيرون.
فمبادئ هذه الهيئة هي مبادئ الاسلام نفسه، وكانت تعمل على تنقيته من الخرفات والبدع التي طرأت عليه لتربط ماضي الأمة الاسلامية بحاضرها لأن المسلمين الحاليين ركنوا الى الجمود والغفلة وعدم الاهتمام بالدين الذى هو مطية الى الدار الاخرى، والمتدينون منهم من توغل في الزهد، واستسلموا للواقع، وتشبثوا بالبدع والعادات السيئة التي حجبت حقائق الاسلام.
أخذت هذه الهيئة على عاتقها أن تحارب الأفكار الدخيلة والعوائد الفاسدة، والانحراف الشنيع، وتنشر الدين الصحيح الخالص من جميع الشوائب لتعود روحه الطاهرة الى النفوس فتصلحها مما طرأ عليها من مخلفات العصور المظلمة، وترجع الى اللغة العربية مكانتها في هذا الوطن بعد ما كادت أن تضمحل منه، وصارت أجنبية وغريبة عنه، فبدأت هذه الهيئة تنشر العلم وتحارب الجهل الذى خيم على هذه الأمة، وتحيي تاريخ المسلمين وتراثهم المجيد ليطلع الأحفاد على ما كان لهم من ماض مجيد، وأدب قيم نفيس وحضارة مزدهرة ...