للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من هو دونه، ووصف المقديسي ضرائب فارس فقال: (لا تسأل عن ثقل الضرائب وكثرتها، وأهل فارس هم أنجع الناس بطاعة السلطان، وأصبرهم على الظلم وأثقلهم خراجا وأذلهم نفوسا، وهم لم يعرفوا عدلا قط).

ووصف أيضا خراب بغداد فقال: (فأما المدينة فخراب، وهي في كل يوم الى الوراء مع كثرة الفساد والفسق، وجور السلطان، ويلخص حال العراق وفارس تحت حكم البويهيين بهذا القول البالغ الدلالة) فقال: (الرعية هامون والدور خراب والاقوات معدومة والجند متهاوجون).

أما اقطاع الأراضي للتجار الأثرياء فالدافع إليها حاجة الدولة الى المال وقد أقطعت للتجار أراضيها لقاء دفع قسط من غلتها إليها.

لقد كان هذا النظام الإقطاعي مع أن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضى الله عنه قد سن قاعدة تقول: (سواد العراق ملك مشترك بين المسلمين)، لم يكن الخلل في النظام الاجتماعي يقل عن الخلل الذي رأيناه في الحياة السياسية والاقتصادية، ولم يكن للمسلمين وحدة اجتماعية متماسكة في هذا العصر. أو على الأقل شيء من التجانس، بل كانوا منقسمين إلى أحزاب وفرق وشيع يكره بعضهم بعضا، فقواد الجيش يقفون في القمة مطلقي التصرف في العباد والبلاد، وبلاط الملوك يعج بالنساء التي أوجدن كثيرا من الاضطرابات في توجيه السياسة ويأتي بعد هذا طبقة الاقطاعيين الذين عنوا بالزراعة واسترقوا المزارعين الصغار، ثم تأتي طبقة التجار الأغنياء. وأخيرا طبقة العامة التي يستثمرها كل الطبقات السابقة، وهكذا كانت البلاد في حالة استبداد سياسي، وخراب اقتصادي، وتفكك اجتماعي.

لقد دخل المسلمون العظماء وهم في أوج حضارتهم في عصر جاهلي تموج بهم الشهوات القاهرة، وتعصف بهم الأنانية الجامحة، امتلأت قلوبهم بالحقد والكراهية لبعضهم بعضا.

هذه العوامل وغيرها كانت سببا في انحرافهم عن الدين، والبعد عن تعاليمه السمحاء، فزادتهم تخاذلا وضعفا، فمن ذلك

<<  <   >  >>