الوقت الى الآن لم يستطيعوا أن يتعاملوا بالإسلام فيما بينهم، وأن يحققوا الاتحاد والأخوة والمحبة المنشودة ليكونوا لهم كيانا، حتى يقوموا بشؤونهم وجمع شملهم وشتاتهم لينقذوا أنفسهم مما تردوا فيه من الفوضى، والاضطرابات الخطيرة.
فبسبب خروجهم عن تعاليم الدين الحنيف بدأوا يفقدون الحياة الاجتماعية فأصبحوا فارغين من جميع النظم الراقية، ولم يبق لهم من مقومات الحياة الا تقليد المجتمعات الجاهلية التي لا تؤمن بدين فصاروا يعملون بمقتضاها، ولم يدروا أنهم بذلك تنكروا للبقية الباقية من الاسلام.
بهذا الاعراض عن تعاليم القرآن أخذت عوامل الفساد والتحلل من أوامر الدين تعظم وتستشري حتى كادت تقضى على العقيدة الاسلامية من النفوس، وكان الفساد ينتشر بسرعة في هذه المجتمعات المائعة الماجنة، حتى قضى على الخلافة الشرعية التتار المتبربرون وتركت وراءها أمما مبعثرة من دويلات صغيرة تتوق الى الوحدة وتتوثب الى النهوض.
سبب هذا التدهور هي الخلافات السياسية والدينية وتنازع الرئاسة والانصراف عن العقيدة الى ألفاظ ميتة لا روح فيها والانغماس في أنواع الترف والنعيم، والاقبال على لذائذ الشهوات وإهمال العلوم العلمية، والمعارف الكونية وإضاعة الوقت فيما لا ينفع ولا يفيد، وتضيع الجهود في للهو والعبث والحياة الماجنة. والغرور بسلطانهم، والانخداع بقوتهم، وإهمال النظر في التطور الاجتماعي للأمم حتى أخذت في الاستعداد والأهبة فباغتتهم على غرة، وقد أمرهم القرآن الكريم باليقظة، وحذرهم من مغبة الغفلة والفرقة.
كان القرن الرابع الهجري مثلا واضحا على التغيرات الظاهرية والخفية التي عبثت بمقومات الأمة الاسلامية في هذا القرن.
هذا القرن كان هو العصر الذهبي الذى نضجت فيه الثقافة الاسلامية، وكان في الوقت نفسه قرن زوال مجد الخلافة، وانقسام الدولة الكبرى المترامية الاطراف الى دويلات متعددة.