فهذه ثلاثة أحاديث اشتمل كل حديث منها على مثل معين، والأمثال كما هو معلوم توضع لتقريب المعنى وتوضيحه في ذهن السامع ليكون أسهل في فهم المعنى وأبلغ في ترسخه في ذهنه.
ففي المثل الذي جاء في الحديث الأول ضرب النبي ﷺ لنفسه مثلًا بالنذير الذي جاء لقومه يحذرهم من أن أعداءهم في طريقهم إليهم بعد أن رأى جيشهم على مقربة منهم وطلب منهم أن ينجوا بأنفسهم قبل أن يهلكهم عدوهم ويفنيهم.
وضرب لأمته مثلًا بقوم ذلك الرجل الذين انقسموا إلى قسمين فكان منهم من صدقه وأطاعه فساروا من الليل فنجوا بأنفسهم من فتك عدوهم، وكان منهم من لم يصدقه فبقوا في منازلهم فصبحهم عدوهم فقضى عليهم. فالنبي ﷺ هو النذير لهذه الأمة كما قال تعالى: ﴿قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين﴾ [الحج]، فقد أرسله الله تعالى: ﴿ليكون للعالمين نذيرا] [الفرقان]، لينذرهم عذاب ربهم الذي توعد به المخالفين منهم، وبين لهم شرع ربهم وما أمرهم به من قواعد وأحكام.
فمن أطاعه واتبع النور الذي جاء به والتزم شريعته فقد نجا من عذاب الله. ومن عصاه وخالفه ولم يتبع ما جاء به فقد استحق بذلك عذاب الله فله جهنم يصلاها مذمومًا مدحورًا.
وهذا المثل يمثل جانب الإنذار والوعيد وهو جانب من جوانب الرسالة، وأما الجانب الثاني وهو جانب البشارة؛ إذ أن الرسول ﷺ أخبر الله عنه بقوله تعالى: ﴿وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا﴾ [سيا: ٢٨]
وأما جانب ما تحدث عنه الحديث الثاني وهو حديث
= انظر: فتح الباري (١١/ ٣١٦) (ح ٦٤٨٣)؛ وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب الفضائل، باب شفقته ﷺ على أمته … (٧/ ٦٤).