وهما أيضًا أمران متقابلان لا يكادان يجتمعان في كلام إن وجد الأول اضمحل الثاني، وإن وجد الثاني تلاشي الأول. فكلام البشر إما أن يكون مجملًا وإما أن يكون مبينًا وأنى له أن يكون مجملًا مبينًا في آن واحد.
أما القرآن الكريم كلام الله سبحانه وتعالى فالأمر غير ذلك تقرأ الآية القرآنية فتجد فيها من الوضوح والظهور ما يبوئها الدرجة العليا في البيان بأسلوب محكم خال من كل غريب عن الغرض، يسبق معناها إلى نفسك دون كد ذهن ولا إعادة تلاوة فإن أعدت النظر مرة أخرى لاح لك منها معانٍ جديدة، فإن زدت التدبر زاد العطاء وانكشف لك ما يجعلك توقن أن في الآية "إجمالًا" لمعان عديدة مع بيان ووضوح.
ثانيًا: بيان القرآن في سورة سورة منه:
وهي أيضًا مرتبة من مراتب البيان في القرآن لها صفات وخصائص أهمها:
الكثرة والواحدة:
فالكلام هو مرآة المعنى فإن ساء نظمه تبددت معانيه كما تتبدد الصورة الواحدة على المرآة المهشمة أو غير المستوية السطح.
ولا بد لإبراز المعنى ووضوحه من إحكام ألفاظه وإتقان بيانه وذلك بتمام التقارب بين كلماته والترابط بين جمله حتى تتماسك وتتعانق أشد ما يكون التماسك وأقوى ما يكون العناق.
وليس ذلك بالأمر الهين بل هو مطلب شاق يحتاج إلى مهارة وحذق، ولطف وحس في اختيار أحسن المواقع لتلك الأجزاء، أيها أحق أن يجعل أصلًا أو تتمة، وأيها أحق أن يبدأ به أو يختم، ثم اختيار أحسن الطرق للمزج بينها بالإسناد أو التعليق أو بالعطف، وغير ذلك من أسباب الترابط،