للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عن الإتيان بمثل ما برعوا فيه فهم عن سواه أعجز، وبهذا تكون حجته على قومه أقوى وأظهر.

أما صالح عليه السلام فقد أرسله الله تعالى إلى قوم كانوا ينحتون من الجبال بيوتًا، ولا تزال آثارهم باقية بزخارفها ونقوشها. والنحات مهما بلغ في فنه يقف عند حد التصوير لا يستطيع أبدًا أن يبعث الحياة فيما نحت وجاءت معجزة صالح بأن أخرج لهم بإذن الله من الصخر١ -الذي ينحتون منه- ناقة ذات روح تأكل وتشرب وتدر الحليب. والنحات يستطيع أن ينحت من الصخر شكل ناقة لكنه لا يستطيع أن يبعث فيها الحياة، فكانت المعجزة من جنس ما تفوقوا فيه وإن لم تكن مثله.

أما العرب وقت بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم فإن نظرة فاحصة إلى مجتمعهم تظهر جليًّا أن المجتمع كان مجتمعًا جاهليًّا سياسيًّا واقتصاديًّا واجتماعيًّا.

أما السياسة فكانت الحكومات تحيط بهم: الأكاسرة في فارس والقياصرة في الروم والمقوقس في مصر والنجاشي في الحبشة، أما الحجاز فلم يكن ثم ملك أو رئيس أو أمير، وإنما زعماء وصناديد لكل قبيلة تفرق أكثر مما تجمع وتشتت أكثر مما توحد؛ ولذا كان العرب أمة مستضعفة هانت على الآخرين يذهب زعماؤها إلى الشام مثلا ويدخلونها كما يدخلها أي إنسان لا مزية له ولا مقام، ولو سافر زعيم فارس إلى الروم لاستقبل بالحفاوة وضربت له السرادق واستقبل استقبالا مميزًا، أما زعماء العرب فكانوا يدخلون الأسواق ويبيعون ويشترون لم يعرف أحد بدخولهم ولم يبال أحد بخروجهم، فأنى لمثل هذه الزعامة أن يكون لها جانب مهاب.

وأما الاقتصاد فقوامه الصناعة والزراعة والتجارة. أما الصناعة فلم يكن ثم صناعة وإن وجد صناع فنجار فارسي أو حداد رومي أو صناعات لا تكاد تذكر.


١ انظر: تفسير الطبري ج١٢ ص٥٢٥ وما بعدها، وتفسير ابن كثير ج٢ ص٢٤٥.

<<  <   >  >>