للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجرد المحاولة سيجعله مثار هزء وسخرية أمام مجتمعة تمامًا، كمثل محاولة ذاك الذي يحاول أن يقفز بقدميه ناطحة من ناطحات السحاب. إن مجرد محاولته مثار هزء وسخرية فاختاروا سبيل الحرب مع شدته على الإتيان بمثل هذا القرآن.

فإن قلت إذا كان القوم يدركون إعجاز القرآن فلم لم يؤثر في قلوبهم ويذعنون له؟ "قلت": إن القوم أدركوا هذا التأثير ولم يقفوا منه موقف المتفرج وإنما سعوا بكل ما في وسعهم لمحاصرته.

فكانوا يحذرون من مجالسة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وكانوا يستقبلون القوافل القادمة إلى مكة ويحذرونهم أول ما يحذورنهم من مجالسة محمد -صلى الله عليه وسلم- أو الاستماع إليه. فإن صدع صلى الله عليه وسلم في مجتمع بالقرآن وجهر به ضجوا بأصواتهم حتى لا يصل صوته إلى الآذان: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ} ١ لأنهم يعرفون أن مجرد السماع له تأثيره القوى.

{وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ} ٢.

لكن هذا التأثير عند سماع القرآن لا يجدي إذا كان هناك عناد واستكبار لأن العناد لا تجدي معه حجة ولا ينفع معه البرهان.

وكان العناد هو المانع لكثير من أهل مكة عن الإسلام وحين لا يكون ثم عناد نرى التأثير القرآني، فأهل المدينة مثلا أرسل إليهم الرسول -صلى الله عليه وسلم- رجلين هما مصعب بن عمير وعبد الله ابن أم مكتوم٣ رضي الله عنهما، فجلسا هناك يقرآن القرآن والناس يستمعون ولم يلبثوا إلا يسيرا حتى دخلت


١ سورة فصلت: الآية ٢٦.
٢ سورة التوبة: الآية ٦.
٣ انظر: سيرة هشام ج٢ ص٧٧، ٧٩، والكامل في التاريخ: ابن الأثير ج٢ ص٦٧، ٦٨.

<<  <   >  >>