للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكذلك كان من أثر الاختلاف بين القبائل في اللهجات كلمات الأضداد، فقد نجد كلمة تستعمل بمعنى عند قبيلة، ولكنها تستعمل في معنى مضاد لهذا المعنى عند قبيلة أخرى، مثل "جلل" تستعمل في معنى "عظيم" وفي معنى "حقير"، وكلمة "جون" "بفتح الجيم" يوصف بها الأبيض والأسود، ومثل "شرى" بمعنى "اشترى" وبمعنى "باع". وروي أن أبا زيد الأنصاري قال: "السدفة في لغة تميم الظلمة، والسدفة في لغة قيس الضوء.. ولمقت الشيء ألمقه لمقًا إذا كتبته في لغة بني عقيل، وسائر قيس يقولون لمقته بمعنى محوته".

ولكن مهما تعددت اللهجات في لغة من اللغات، ومهما ضعفت الصلة بين هذه اللهجات بمرور الزمن واختلاف الظروف، فإن ذلك لا يمكن أن يلغي أن الأصل بينها جميعًا واحد، ولا يمكن أن يمنع أن تقوم بين أصحاب هذه اللهجات المختلفة لغة خاصة تكون لغة الأدب والحديث الممتاز مع عدم اختفاء هذه اللهجات المتعددة من الوجود، بل تظل مستعملة ويصبح استعمالها مقصورًا على أغراض الحياة العادية العاجلة. وإذا كان الأمر كذلك فما هذه اللغة التي كانت لغة الأدب بين العرب قبل الإسلام؟ لقد كان البحث عن إجابة لهذا السؤال سببًا في وجود كثير من الآراء: فتشارلز لايل٤، يقول: "إن لغة معد وهم العرب الإسماعيليون، كانت لسان وسط شبه الجزيرة، وقد سيطرت في ذلك الوقت على كل اليمن ما عدا شواطئ المحيط الهندي، حينما انتهت سيادة ملوك تبع على بقية شبه الجزيرة العربية واختفت إلى الأبد، وفى القرن السادس الميلادي زالت جميع آثارها من الوجود، حينما رجع ملوك كندة بقومهم من اليمامة وهجر إلى ديارهم الأصلية في حضرموت".

وفي بيانه لسيادة اللغة الواحدة في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، يقول لايل: "فنفس التعبير اللغوي كان يُسمع من الحيرة على الفرات تحت ظلال فارس. ومن غسان في سوريا تحت سيطرة الكنيسة الرومانية بدمشق، إلى صنعاء وعدن في أقصى الجنوب حيث كان الحاكم الفارسي يحكم باسم شاهنشاه، وفي ربوع هذه البلاد كان عمل الشاعر يحظى بالشرف والمكافأة في كل مكان". وبهذا نرى أن سير لايل يرى هنا أن اللغة الشمالية هي التي سادت في أنحاء شبه الجزيرة، ولكنه لم يخصص لهجة من بين اللهجات الشمالية.


٤ Charles Lyall: ancient Arabian Poetry P.XV

<<  <   >  >>