للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لديه القدرة على قول الشعر الجيد الرصين، إذ لو كانا كذلك، فما الذي منعهما أن يقولا ولو مرة واحدة إن هذا الأثر أو ذاك لأحدهما شخصيا؟ حقيقة كان للرواة والراوية الواسعة تقدير عظيم بين الناس وبخاصة من الخلفاء والولاة والحكام، وكان أصحاب الرواية الواسعة المدى يتلقون جوائز مالية ومادية ضخمة، ولكن الشعراء الفحول أصحاب الشعر الرائع الرصين كانوا يجازون الجزاء الأوفى، فكانت أعطياتهم كثيرة جزيلة، وسير الأمويين والعباسيين في هذه الناحية تفوق الوصف في السخاء الذي يعتبر في كثير من الأحوال إسرافًا كبيرًا. فلو كان كل من هؤلاء الرواة الذين اشتهروا بالكذب في الرواية والاختلاق والانتحال شاعرًا موهوبًا، لنال حظوة عظيمة، وانهالت عليه الأموال من كل جانب، كما حدث مع الشعراء في ذلك الوقت أمثال جرير والفرزدق. ومما يقوي اعتقادي في عدم وجود الموهبة الشعرية عند حماد وخلف أنهما كانا يختاران أروع القصائد ويدعيانهما لهما، كما رأينا مع حماد في قصيدة الطرماح التي كانت موضع إعجاب كل من أبي عبيدة والأصمعي، وكما في لامية العرب التي يدعيها خلف، وهي التي لها ما لها من الشهرة والإعجاب بين جميع الأدباء. ولعل مما يؤيد شبهتي في ادعائهما الشعر قول ابن سلام: "سمعت يونس يقول: العجب لمن يأخذ من حماد، وكان يكذب ويلحن ويكسر". ويستبعد جدا، بل يستحيل، أن يحدث لحن أو كسر من شاعر موهوب.


٥٣ طبقات الشعراء ص١٥.

<<  <   >  >>