للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

متصلة بالتدوين، فالذين قاموا بتدوين الأدب أو إملائه إنما هم في الأصل رواة.

ومما ذكرناه عن هؤلاء الرواة يتبين أن أقدمهم مات حوالي منتصف القرن الثاني، أي أن طائفة الرواة المحترفين في الإسلام ظهرت في أواخر القرن الأول عندما استتب أمر الدولة وهدأ روع المسلمين بعد الحركات الأولى، واتسعت رقعة العالم الإسلامي، وقد ساعد على رواج الرواية الأدبية حينئذ محافظة الأمويين على النزعة العربية، وحبهم الظاهر للآثار الأدبية، وتشجعيهم روايتها، ومكافأتهم الأدباء والرواة بسخاء، مع ما في نفس كل منهم -راوية كان أو منتجًا للأدب- من ميل إلى الشهرة وحب الظهور. ثم كان مما شجع على ظهور هؤلاء الرجال وتخصصهم في رواية الأدب أن المسلمين احتاجوا إلى النصوص الأدبية القديمة لما اشتغل علماؤهم بالتفسير، فاهتم الأدباء بجمع النصوص الأدبية لكي يستعينوا بها على فهم ما استغلق عليهم من ألفاظ القرآن وعباراته، لذلك قالوا: "إن علوم الأدب كلها وسيلة لفهم كتاب الله تعالى، وإن حكم البلاغة ومعرفة العلوم الأدبية حكم الوجوب الكفائي، وشرفها بشرف ما يتوصل إليه، فكلها علوم آلية"٧٩، وورد عن ابن عباس أنه قال: "إذا أشكل عليكم الشيء من القرآن فارجعوا فيه إلى الشعر، فإنه ديوان العرب"٨٠. فاهتمام المسلمين بفهم مفردات الكتاب والسنة كان مما شجع على الاشتغال بعلوم الأدب وروايته، ولذلك يقال إن الإمام الشافعي قال إنه طلب اللغة والأدب عشرين سنة ليستعين بهما على الفقه ومن هنا لما أرادوا أن يطرد علمهم في الدين والأدب من ينبوع واحد أوجبوا الإسناد في الأدب أيضًا.

وكان الإسناد في الحديث ينتهي إلى الصحابة ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما في الأدب، فكانت أسانيد الأدباء على اختلاف عصورهم تنتهي إلى الطبقة الأولى كأبي عمرو بن العلاء وحماد الراوية. ولا نجد في كتب الأدب رواية واحدة يتصل سندها بالجاهلية؛ لأن هؤلاء الرواة "يعنى رواة الطبقة الأولى" أكدوا أنهم أخذوا أكثر ما يروونه عن قوم أدركوا عرب الجاهلية؛ أو نقلوا عمن أدركهم. والحقيقة أن أبا عمرو بن العلاء روى عن عرب أدركوا عرب الجاهلية، لأنه ولد سنة ٧٠ وتوفي سنة ١٥٩هـ. وكان لا يأخذ إلا عن


٧٩ الشهاب الراصد، ص ٢٥٩,
٨٠ الفاضل للمبرد، ص١٠.

<<  <   >  >>