للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العرب في البادية حتى إن الأصمعي جلس إليه عشر حجج ما سمعه يحتج ببيت إسلامي٨١.

فالطبقة الأولى وهم كبار الرواة: أبو عمرو بن العلاء، والكلبي، وعوانة، وحماد الراوية كانوا يستقون معلوماتهم ممن أدركوا عرب الجاهلية رأسًا، أو مما وثقوا به من كتب مدونة، لكن حماد الراوية أثار الشكوك وسوء الظن، كما أثارها غيره مثل الراوية المدني عيسى بن دأب الذي كان يضع الشعر وأحاديث السمر، وكلامًا ينسب إلى العرب٨٢. وأما من جاء بعد هذه الطبقة فكانوا تلاميذهم، وكانوا يروون عن أساتذتهم من رجال الطبقة الأولى، إلا أنه لكثرة المآخذ التي وجهت ضد حماد وخلف رأى جماعة من العلماء وخاصة جيل الأصمعي أن يقوموا بتصفية الروايات بالاعتماد على التحقيقات الشخصية لدى الأعراب، فكانوا على اتصال وثيق بالصحراء وأطلقوا على سكانها اسم فصحاء العرب وكان الإسناد للطبقة الأولى يتسلسل حتى يصل إلى أحد رجالها، ولكن كل طبقة كانت أوسع معرفة عمن قبلها بما تضيفه من جديد عن سابقيها.

ولما اتسعت الدولة الإسلامية، واختلط العرب بغيرهم من أهل الأمم الأخرى بسبب الفتوح الإسلامية، شاع اللحن والخطأ، فوجدت الحاجة إلى وضع علوم النحو واللغة. فكان ذلك مما ساعد على ازدهار الرواية الأدبية، وجمع النصوص للشواهد التي تستنبط منها القاعدة أو تؤيدها.

وبهذا ازدهرت سوق الرواية الأدبية، فاشتغل بها كثير من العلماء، حتى كان بينهم تنافس، وصل إلى عداء شخصي في بعض الأحيان، وأدى هذا التنافس إلى وجود مدرسة بالبصرة، ومدرسة بالكوفة، وكان على رأس رواة الأولى أبو عمرو بن العلاء، ورئيس الثانية حماد الراوية، وكان التعاون بين هاتين المدرستين ظاهرًا في القرن الثاني، حيث كان بينهما تبادل علمي؛ تلاميذ الكوفة يتلقون عن أساتذة البصرة وبالعكس، فالكوفيون أمثال الكسائي، وتلميذه اللحياني، وابن السكيت كانوا تلاميذ أساتذة البصرة٨٣؛ والبصريون أمثال أبي زيد التوزي والسكري درسوا على أساتذة الكوفة٨٤، وكثير من الرواة الذين تحدثنا عنهم فيما


٨١ الشهاب الراصد، ص٢٥٩.
٨٢ راجع المزهر ٢/٤١٤، والمعارف لابن قتيبة ٢٦٧ والمسعودي: مروج الذهب ١-١٣٨، الأغاني ٤-١٢٩.
٨٣ راجع السيرافي في ٥٦٣، والمزهر ٢/٢٥٣.
٨٤ المزهر ٢/٢٥١، ٢٥٣: ٢٥٧.

<<  <   >  >>