للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما كانت الرسائل، على وجه العموم، تبعث مكتوبة، كالصحيفة التي وجهها عمرو بن هند ملك الحيرة إلى عامله بالبحرين في شأن طرفة والمتلمس٧. ومن ذلك أيضًا القصيدة التي أرسلها لقيط بن يعمر الإيادي٨ الذي كان كاتبًا في ديوان كسرى، حين علم أن كسرى مجمع على غزو إياد، فكتب إليهم هذه القصيدة ينذرهم بما يتهددهم من خطر، وهي قصيدة طويلة، وفي آخرها يقول:

هذا كتابي إليكم والنذير لكم ... لمن رأى رأيه منكم ومن سمعا

وأكبر دليل على وجود الكتابة في الجاهلية بين العرب، هذه الكتب التي أرسلها النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك والرؤساء يدعوهم فيها إلى الإسلام، ثم كتاب الوحي الذي كان الرسول عليه الصلاة والسلام يأمرهم بكتابة آي القرآن الكريم كلما نزل عليه الوحي، كل هذه الأمثلة تدل دلالة قاطعة على أنه كان بين العرب الجاهليين من يعرفون القراءة والكتابة بالعربية.

ولكن وجود الكتابة في زمان أو مكان، ليس بلازم أن يكون معناه شيوعها، وانتشارها، شأنها شأن كل شيء في الوجود، فقد تكون موجودة، ولكنها قليلة أو نادرة، وذلك هو ما كان في العصر الجاهلي، كانت الكتابة موجودة ومعروفة لديهم ولكنها كانت بنسبة قليلة قد تصل إلى حد الندرة أحيانًا، فكانت غالبية الشعب لا تعرف القراءة والكتابة بخاصة بين البدو سكان الصحراء؛ وذلك لأن ضرورات الحياة، ومشاغلها، والسعي لطلب الرزق والقوت كانت تستغرق كل أوقاتهم أو جلها، فلم يكن لديهم فراغ يجلسون فيه منذ الطفولة ليتعلموا القراءة والكتابة، ثم إن وسائلها من الجلود والعظام وسعف النخل، وقطع الخشب وأمثالها كانت غير ميسرة، ولا تحبب في استعمالها والاهتمام بها لكي يسجلوا بها كل آثارهم، ومن ثم كان هناك نفر يسير من بينهم يعرفون القراءة والكتابة، وكان السواد الأعظم من السكان يجهلها، وطبيعي أن تكون الحال كذلك بين الأدباء: كثرة منهم أميون، وقلة منهم يقرءون ويكتبون، ومن هؤلاء: عدي بن زيد العبادي ولقيط بن يعمر الإيادي، وسويد بن صامت الأوسي، وعبد الله بن رواحة، وكعب بن مالك والربيع بن زياد، ولبيد


٧ ديوان طرفة، ص١٣.
٨ شعر الحرب، ص٢٨٥.

<<  <   >  >>