للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بن ربيعة. وقد وردت الأخبار القاطعة بأن كثيرًا منهم كانوا لا يعرفون القراءة والكتابة، وأظهر مثل لذلك طرفة والمتلمس فقد حمل كل منها صحيفة فيها الأمر بإعدامه ولقى طرفة حتفه بسبب ذلك. وربما كان بعض الأدباء -وبخاصة الشعراء الذين اشتهروا بالحوليات، وأخذهم وقتًا طويلًا في إعداد آثارهم الأدبية، وتحويرها، وتنميقها لتكون في أروع ما يستطيعون، ربما كان هؤلاء- ممن يعرفون القراءة والكتابة، على أنه ليس هناك ما يمنع من أن يقوم الأمي بالتنميق والتحسين في إطار ذاكرته، أو حيز حافظته، لا على قرطاس أو صحيفة فذلك يحدث كثيرًا، حتى بين الذين يحسنون القراءة والكتابة. ولكن على العموم لم نسمع أن وجد بين الأدباء في الجاهلية من كان يلقي نصه الأدبي من صحيفة، بل كان الجميع، حتى من يعرفون القراءة والكتابة. يلقون نتاجهم مشافهة، ومن الذاكرة. ولا شك أن ذلك أدعى للإعجاب والإكبار، فهو يوحي بأن كلامه من فيض الخاطر حين إلقائه، وذلك مشاهد بين ظهرانينا اليوم، فكثير من الخطباء والأدباء يعدون كلماتهم قبل إلقائها، ومعظمهم يسجلها، ويكرر إلقاءها بينه وبين نفسه، لتثبت في ذاكرته، فإذا ما وقف بين الناس، خطيبًا، أو متحدثًا، أو منشدًا، تتابعت العبارات على لسانه في دقة وإحكام، كأنما تنثال عليه البلاغة انثيالًا بالطبيعة والسليقة، هؤلاء الأدباء الذين كانوا يقرءون ويكتبون يحتمل جدًّا أنهم قد قاموا بتدوين آثارهم الأدبية أو بعضها على الأقل. ولكن مما لا شك فيه أن بعض القبائل قد قامت بجمع آثار أدبائهم وتدوينها، بدليل ذكر كتب يحمل كل منها اسم قبيلة معينة يضم أخباره وآثارها، مثل كتاب قريش وكتاب ثقيف٩ وكتاب تميم، وغير أولئك، جاء في المفضليات.

وجدنا في كتاب بني تميم ... أحق الخيل بالركض المعار١٠.

ويبدو أن فكرة تدوين الآثار الأدبية قديمة عند العرب، يقول حماد الراوية: "إن ملك الحيرة النعمان بن المنذر المتوفى سنة ٦٠٢ أمر فنسخت له أشعار العرب في الطنوج -وهي الكراريس- ثم دفنها في قصره الأبيض، فلما كان المختار بن أبي عبيدة الثقفي، قيل له: إن


٩ الأغاني جـ٦ ص٩٤.
١٠ المفضليات، ص٣٤٤، والبيت ينسب إلى بشر بن أبي خازم.

<<  <   >  >>