الأدبية، وأشهر من فعل ذلك في زمن معاوية دغفل وصحار العبدي، ومن تحقيقات النسابين جمعت مقطوعات شعرية كثيرة تحوي إشارات إلى منشأ محالفات القبائل والأرهاط٢٥.
والخلافات السياسية التي حدثت في الدولة الإسلامية منذ نشب النزاع بين علي بن أبي طالب رضي الله عنه ومعاوية بن أبي سفيان، كانت سببًا في حدوث انقسام بين المسلمين، فكانوا شيعًا وأحزابًا، كل يناصر فريقًا معينًا، وحدثت من جراء ذلك معارك دامية، كل هذا دعا كل فريق إلى الحديث عن نفسه في الماضي والحاضر، مما كان له كذلك أثر في جمع الأدب القديم وتدوينه.
واتساع الدولة الإسلامية، وامتداد حكم العرب إلى أقاليم كثيرة خارج شبه الجزيرة العربية في مصر وسورية والعراق وفارس، واختلاطهم بسكان هذه البلاد، كل هذا كان له أثر في الاهتمام بالأدب القديم، ذلك أن العرب الغالبين، كانوا بحكم عربيتهم الخالصة، يعدونه سجل مفاخرتهم وأمجادهم، يتغنون بها أمام هذه الشعوب المختلفة، كأنما كانوا يريدون أن تعلم هذه الشعوب ما كان لأسلاف حاكميهم من أمجاد خالدة في شتى الميادين، بجانب ما يجدون في إنشاده وترديده من متعة ولذة. ولما رأى أهل هذه البلاد حب السادة الحاكمين للأدب القديم، وأنهم "أي الموالي" في حاجة إلى تعلم اللغة العربية، والتفوق فيها، أقبلوا هم كذلك على الأدب العربي يحفظونه، ويتدارسونه، ويروونه حتى برعوا فيه، وقد مر بنا عدد كبير من هؤلاء الموالي الذين كانوا من الرواة الأفذاذ، وكأنهم بعملهم هذا يرمون إلى إتقان اللغة العربية وآدابها، حفظًا، وفهمًا، ودراسة، فكان منهم العلماء الثقات، الذين يُرجَع إليهم كلما أشكل أمر كما كانوا يتمنون أن يكونوا محدثين ممتازين، فكان منهم الحفظة الأذكياء.
ومما كان له أثر كبير في رواج جمع الأدب الجاهلي وتدوينه، ما كان من الخلفاء والولاة والحكام من ميول أدبية ممتازة، فقد كان فيهم حب شديد للأدب ملك عليهم أفئدتهم، فكان الخليفة كثيرًا ما يتوق إلى سماع قصيدة معينة، أو قطعة أدبية، فيسأل عنها. وقد فعل هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أشرنا إلى ذلك سابقًا، وكذلك كان الخلفاء الراشدون وبخاصة عمر بن الخطاب، وفي عصر الدولة الأموية اشتد اهتمام الخلفاء بالأدب، فكثيرًا ما كانوا