للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولا شك أنه على حق في دعوته إلى الاعتماد على من وثق به الرواة الذين قاموا بجمع الأدب وتدوينه، فإذا كان هؤلاء أهلًا للثقة والتصديق في عصرهم فهم أولى بذلك في العصور التالية، وبخاصة في عصرنا الحاضر، فلقد كانوا قريبين في زمن هذا النتاج الأدبي الذين قاموا بجمعه وتدوينه وكان بينهم من يعرف الجاهليين، أو كان على صلة بمن عرف الجاهليين. على أن الظروف التي أحاطت بالرواة والعلماء في زمن الجمع والتدوين -وقد حملتهم على التنافس في الدقة والتحري- تستدعينا أن نجعلهم محل ثقة في جميع ما قبلوه، ما لم يقم لدينا الدليل القاطع على خلاف ذلك. ولا أظن دليلًا مثل ذلك سيحدث إلا إن كان معجزة لطول العهد بين زمن هذا الأدب، وبيننا الآن.

وفي القرنين التاسع عشر والعشرين الميلاديين، أثار الباحثون من المستشرقين والعرب قضية الانتحال من جديد. ففي سنة ١٨٦٤م "تناول المستشرق نولدكه الموضوع، فأشار إلى الشكوك التي يثيرها مظهر الشعر الجاهلي. وبعد ثماني سنوات تناول المستشرق أهلوارد المسألة بدون أي تجديد فيها، فعرضها بدقة لم يتناولها سلفه، وقال: إن الوثائق المروية غير موثوق بصحتها، إن من ناحية المؤلف، أو ظروف النظم، أو ترتيب الأبيات، فمن الواجب إذن إخضاع كل أثر من القرن السادس وأوائل السابع لفحص دقيق قبل قبوله".

"وتابع العلماء أمثال موير وباسيه وليال وبروكلمان طوال ثلاثين سنة المستشرقين: نولدكه وأدلوراد في موقفها الحذر"١٢.

وفي سنة ١٩١٦ نشر المستشرق مرجليوث margoliouth بحثا عن الشعر الجاهلي، في المجلة الأسيوية الملكية، وكان قد تحدث عن وضع الشعر الجاهلي قبل ذلك في مادة "محمد" من دائرة معارف الأديان والأخلاق encyclopaedia of religion and ethics وفي كتابه عن "محمد وظهور الإسلام" mohamed and the rise of islam وقد تصدى للرد عليه سير تشارلز ليال lyall في مقدمة ترجمة المفضليات، ولكن مرجيلوث عاد ونشر في المجلة السابقة "عدد يوليو سنة ١٩٢٥" بحثًا عنوانه: "أصول الشعر العربي" the origins of arabic poetry وقد أطال في هذا البحث، وذكر فيه الشبه التي


١ تاريخ الأدب العربي لبلاشير، ص١٧٦.

<<  <   >  >>