للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

دعته إلى الشك في الشعر الجاهلي١٣، وحملته على أن يقول: إن الشعر الذي جمع ونسب إلى الجاهليين مصنوع ومنحول، صنع في العصور الإسلامية، ونسبه واضعوه إلى شعراء جاهليين زورًا وبهتانًا.

وملخص مقالته باختصار: أنه كان قبل الإسلام في الجزيرة العربية شعر وشعراء بدليل ورود الإشارة إلى ذلك في القرآن، ثم يتعرض لوصف القرآن للشعراء، ويشير إلى العدد الكبير من الشعراء الجاهليين الذي وردت لهم أشعار في الأدب الجاهلي، ويشك في أن الشعر الجاهلي قد حفظ بالرواية الشفهية لأن الإسلام -في نظره- ما كان يحث على ذلك، ولكنه في الوقت ذاته يحاول أن ينفي أن الشعر الجاهلي كتب كذلك، إذ إنه لو حفظ بطريق الكتابة، لكان للعرب -في نظره- كتاب أو كتب، والقرآن ينفي أنه كان لهم كتاب، ويزعم أن الشعر الجاهلي الموجود مرحلة تالية للقرآن لا سابقة عليه، ويرى أن التطور من الأسلوب القرآني إلى الأسلوب الشعري المنتظم يبدو -في نظره- متمشيًا مع المألوف، وهو بهذا يعتقد أن الشعر الجاهلي وضع بعد الإسلام بعد أن سمع العرب القرآن، فتأثروا به، فقالوا شعرهم بلغته وساروا بفنهم من الصور الشاذة إلى المنتظمة.

فكأنه يريد أن يقول: إن العرب قبل الإسلام، كان لهم شعر وفيهم شعراء ولكن شعرهم لم يكن كامل النضج، ولا في درجة عالية من التهذب والكمال كالتي نرى عليها الشعر الجاهلي المنسوب إلى الجاهليين، وبعد أن سمع العرب القرآن، تطوروا بفنهم الشعري إلى هذه الدرجة العليا من النضج والكمال. التي نرى عليها الشعر المنسوب إلى الجاهليين.

ويجره الحديث إلى الرواية والرواة، فيتحدث عن سوء أخلاق الرواة أمثال حماد وخلف، ويذكر ما قاله كل من الرواة في الآخرين، ويدعي أنهم لم يكونوا يوثق بعضهم بعضًا، وينكر الرواية بحجة أن الشعراء الجاهليين كانوا لسان الوثنية الناطق، وقد أبطل الإسلام الوثنية وحاربها، فلم يكن هناك مجال -في نظره- لحفظ تلك الأشعار التي قيلت في نظام أبطله الإسلام.

وهو بهذا كله يرى أن الشعر الذي وصلنا منسوبًا إلى الجاهليين، ليس لهم، وإنما قيل بعد الإسلام ونسب إليهم، ويستمر في إيراد الأدلة التي يعتقد أنها تؤيد رأيه هذا، فيدعي أن


١٣ لخص هذه المقالة تلخيصًا وافيًا الدكتور ناصر الدين الأسد في كتابه "مصادر الشعر الجاهلي" ص٣٥٢ وما بعدها.

<<  <   >  >>