للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وينفرد طه حسين عن مرجليوث في نقطة واحدة، فهو يعلم مبدئيًّا، بأن ليس كل ما يسمى بالشعر الجاهلي مصنوعًا، ولكن ما بقي من القديم منه قليل لا يمثل شيئًا، ولا يدل على شيء، وهكذا فهو بوقوفه موقفًا حذرًا اقترب بفكرته من آراء عدد من المستشرقين، أمثال جولد زيهر، ونور أندريه، ووليام مارسيه، وتريتون، وغود فروا، وديمونتين، وبرونليخ "في نقده الثاني لبحث مارجليوث سنة ١٩٧٢"، ويعتقد هؤلاء أن نولدكه وأهلوارد، ومدرستيهما يفسحون مجالًا واسعًا للشعر المسمى بالجاهلي. وهم وإن لم يثبتوا نظرية مرجليوث الجريئة، فقد وقفوا موقفًا فيه تحفظ".

ومن رأي الدكتور طه حسين، يتبين واضحًا، أنه لا يشك في كل الأدب المنسوب إلى الجاهليين، بل الشك عنده ينصب على الكثرة المطلقة من هذا الأدب، ومعنى هذا أن هناك قلة منه موضع الثقة والقبول، ولكنه يعود فيقول: إن هذا الجزء القليل الصحيح الباقي من الأدب الجاهلي لا يدل على شيء، ولا ينبغي الاعتماد عليه في استخراج الصورة الصحيحة لهذا العصر.

ولكن إذا كان هذا الجزء -ولو قليلًا- صحيحًا وأصيلًا، فلماذا نهمله ولا نعتمد عليه في أي شيء؟ أعتقد أنه إن لم يكن كافيًا لإعطاء صورة كاملة للعصر الجاهلي، فليس أقل من أن يعطينا صورة صحيحة جزئية تمثل الناحية التي هو نص صريح فيها.

وإذا كانت المسالة مسألة رأى واعتقاد، فهناك آراء كثيرة تجعل هذا الجزء الصحيح الباقي لنا من أدب الجاهليين موضع احترام، وترى أنه مرآة للعصر الجاهلي. وإذا كانت آراء الباحثين من العرب التي تؤيد ذلك موضع جدال، فهناك كثير من المستشرقين يعتقدون ذلك، فمنهم نيكلسون إذ يقول٢٥: "إن مزايا العصر الجاهلي، وخواصه، مرسومة صورها "كما تعكس صورة الأشياء في المرآة" بأمانة ووضوح في الأغاني والأناشيد التي نظمها الشعراء الجاهليون" ويقول٢٦: "إن الأدب الجاهلي، المنظوم منه والمنثور يمكننا من تصوير حياة تلك الأيام الجاهلية تصويرًا أقرب ما يكون من الدقة في مظاهره الكبرى".

ويقول ثوربيكه THORBEKE في كتابه "عنترة أحد شعراء الجاهلية ص١٤": "لا نملك مصدرًا موثوقًا منها لتدوين تلك الغارات البدوية سوى القصائد والمقطوعات


٢٥ literary history of the arab, p. ٢٦.
٢٦ p. ٢٧.

<<  <   >  >>