للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لمحاربتها والقضاء عليها لن ينتظر من العرب أن يحافظوا عليها، وهم قد دخلوا في دين الله أفواجًا، وأعجبوا بتعاليمه ومبادئه، واقتنعوا عن عقيدة وإيمان ببطلان ما كانوا عليه. فمن المؤكد -أو على الأقل مما يغلب على الظن- أن العرب على العموم، والرواة على الخصوص، وكلهم من المسلمين المؤمنين الذين امتلأت قلوبهم بهذا الدين الجديد الصحيح، لم يهتموا بهذه النصوص ولم يحافظوا عليها، فلم يدونوها. ومن ثم، ليس غريبًا أن نسيها العرب أو تناسوها، وأغفلها الذين قاموا بتدوين هذا الأدب.

ومع هذا فالشعر الجاهلي لا يخلو من أبيات فيها إشارات إلى العقائد والشعائر الدينية التي كانت شائعة بين العرب في الجاهلية، وفي كتاب الأصنام لابن الكلبي، ودواوين الشعراء كثير من الأمثلة على ذلك، إذ نجد في ثنايا بعض القصائد ما يشير إلى شيء من النواحي الدينية.

كقول عدي بن زيد٣١:

سعى الأعداء لا يألون شرًّا ... عليك ورب مكة والصليب

وقول أوس بن حجر في وصف الرمح٣٢:

عليه كمصباح العزيز يشبه ... لفصح ويحشوه الذبال المفتلا

وقوله٣٣:

وباللات والعزى ومن دان دينها ... وبالله إن الله منهن أكبر

وقول امرئ القيس أو التوءم اليشكري٣٤:

أحار ترى بريقًا هب وهنًا ... كنار مجوس تستعر استعارا

وقول طرفة يخاطب عمر بن هند٣٥:

إني وجدك ما هجوتك وال ... أنصاب يسفح بينهن دم

وقوله:

للفتى عقل يعيش به ... حيث تهدي ساقه قدمه


٣١ شعراء النصرانية، ص٤٥١.
٣٢ شعر الحرب للدكتور علي الجندي.
٣٣ أديان العرب، ص١٧٢.
٣٤ ديوان امرئ القيس، ص١٤٧ ب: ١. وقيل في شرحه: إنه بالغ في وصف النار بقوله تستعر استعارًا، وخص نار المجوس لأنهم عبدتها، فنارهم أعظم، وأشد استعارًا.
٣٥ ديوان طرفة للدكتور علي الجندي، البيت رقم٤٠٣.

<<  <   >  >>