للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لا تتمشى مع مبادئه ومناهجه، ومن ثم نتوقع أن نجد في القرآن الكريم تصويرًا تامًّا للحياة الدينية التي يحياها العرب في الجاهلية؛ لأن الدين الصحيح كان الغرض الأساسي من الدعوة الإسلامية.

ولكن مقارنة الشعر الجاهلي بالقرآن الكريم في هذه الناحية، أمر لا ينبغي أن يكون؛ ذلك لأن الشعر ليس من أهدافه الوعظ والإرشاد، ولا الدخول في جدل أيًّا كان نوعه، وبخاصة في النواحي الحساسة التي تمس مشاعر طوائف معينة كمسائل الدين والعقيدة، حقيقة أن الأديب -كغيره من الناس- له إحساسه الديني، وعواطفه الدينية، ولا شك أنه -من المحتمل جدًّا- قد تحركت مشاعره الدينية، فتغنى بشعره ليصور ما يجيش بجوانحه من عواطف دينية فياضة، كما نرى كثيرًا من النصوص الأدبية، في عصرنا الحاضر، وفي غيره من العصور، في جميع الأمم. ولذلك من الجائز -بل من المؤكد- أن كان من الشعراء الجاهليين من تغنى بعاطفته الدينية، وصور أثر عقيدته في نفسه، أو تحدث عن الشعائر الدينية في شعره، ولا شك أن ذلك قد وجد في الشعر الجاهلي، إن قليلًا وإن كثيرًا. ولكننا نعلم أن الشعر الجاهلي ظل يحفظ ويتناقل عن طريق الرواية والمشافهة منذ العصر الجاهلي، وفي العصر الإسلامي إلى أن دون فيما بعد. ومن المعلوم أن الدين الإسلامي الجديد جاء بمبادئ جديدة في العقيدة والدين المعاملات، وأبطل كل ما كان مخالفًا لمبادئه وقوانينه، وطالب متبعيه بتركها، والتمسك بأسس الدين الجديد وقواعده، والقيام بكل ما أمر به، والبعد عن كل ما نهى عنه. ومن ثم، كان من أول الأشياء التي لا يهتم بها الرواة المسلمون تلك النصوص التي تتصل بهذه الديانات والعقائد، التي جاء الدين الإسلامي لإبطالها والنهي عنها، ولذلك لن يكون عجيبًا ألَّا نجد في الأدب الجاهلي عامة والشعر منه خاصة، ما يصور فيض المشاعر الدينية عند العرب الجاهليين، وخلو الأدب الجاهلي من الحديث عن العواطف الدينية التي كانت مسيطرة على العرب الجاهليين لا ينبغي أن يتخذ سببًا للطعن في أصالة الأدب الجاهلي، ولا ينبغي أن يقال فيه لذلك إنه يصور لنا حياة غامضة جافة بريئة أو كالبريئة من الشعور الديني والعاطفة الدينية، المتسلطة على النفس والمسيطرة على الحياة العملية، فمن المقطوع به أن كثيرًا من الشعراء قد تغنوا في قصائدهم بذكر آلهتهم كاللات والعزى وغيرها، وتحدثوا عن شعائرهم الدينية الوثنية وغيرها التي كانت منتشرة بينهم، لكن مثل هذه النصوص لا ينتظر خلودها؛ لأنها كانت في عقيدة فاسدة، وطقوس دينية باطلة جاء الدين الإسلامي

<<  <   >  >>