للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أن يلتمسوا ذلك في القرآن: فيحاول أن يشرح أن القرآن صور حالتهم الدينية خير تصوير، ووصف حياتهم العقلية والاقتصادية والاجتماعية أحسن وصف.

فأما عن تصويره لحياتهم الدينية، فيقول٣٠: "فأنت ترى أن القرآن حين يتحدث عن الوثنيين واليهود والنصارى، وغيرهم من أصحاب النحل والديانات، إنما يتحدث عن العرب، وعن نحل وديانات ألفها العرب، فهو يبطل منها ما يبطل، ويؤيد منها ما يؤيد، وهو يلقى في ذلك من المعارضة والتأييد بمقدار ما لهذه النحل والديانات من السلطان على نفوس الناس، وإذن فما أبعد الفرق بين نتيجة البحث عن الحياة الجاهلية في هذا الأدب أو الشعر الذي يضاف إلى الجاهليين فيظهر لنا حياة غامضة جافة، بريئة أو كالبريئة من الشعور الديني القوي والعاطفة الدينية المتسلطة على النفوس، والمسيطرة على الحياة العملية، وإلا فأين نجد شيئا من هذا في شعر امرئ القيس أو طرفة أو عنترة؟ أو ليس عجيبًا أن يعجز الشعر الجاهلي كله عن تصوير الحياة الدينية للجاهليين؟! أما القرآن فيمثل لنا شيئا آخر، يمثل لنا حياة دينية قوية تدعو أهلها إلى أن يجادلوا عنها ما وسعهم الجدال، فإذا رأوا أنه قد أصبح قليل الغناء لجئوا إلى الكيد، ثم إلى الاضطهاد، ثم إلى إعلان حرب لا تبقي ولا تذر".

وواضح أن الدكتور طه حسين في هذا، يوافق مرجليوث في الطعن في أصالة الأدب الجاهلي لخلوه من تصوير الحياة الدينية عند العرب قبل الإسلام.

أما أن القرآن نص ثابت، لا سبيل إلى الشك فيه، فذلك حق، ولا جدال فيه، وأما أن القرآن يصور حياة العرب الدينية قبل الإسلام، فذلك أيضًا مقبول، لأن الناحية الدينية أهم النواحي التي جاء الإسلام لإصلاحها، وبيان الحق فيها، فالدين الإسلامي جاء لهداية الناس، وتبصيرهم بالعقيدة الصحيحة والخلق القويم، وإخراجهم من ظلمات الكفر والشرك إلى نور الإيمان والتوحيد، فكان من الطبيعي أن يبين وجه الفساد والخطأ في المعتقدات الدينية التي لا تتمشى مع هذه المبادئ، ولا تتفق مع العقل السليم والتفكير السديد، ومن ثم كان لا بد أن يفيض في محاربة عبادة الأوثان التي لا تضر ولا تنفع، ومعارضة الذين يتمسكون باتباع آبائهم وأجدادهم بغير استعمال العقل والتفكير الصحيح، ومجادلة أصحاب العقائد التي


٣٠ المرجع السابق، ص٧٢-٧٣.

<<  <   >  >>