للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فريق منها على أطراف العراق والشام، تحت حماية الفرس والروم فيما يقول الرواة والمؤرخون

ثم ينكر كذلك هجرة فريق من القحطانيين إلى شمال البلاد العربية واستقرارهم فيها واتخاذهم لغة الشمال أداة للتخاطب والآثار الأدبية بحجة، أن هذه الدعوى تقوم على أساسين، هما: النسب، وسيل مأرب وهو لا يقبل هذين إلا إذا قام الدليل العلمي البين على صحتهما. فهو لا يصدق ما يقوله النسابون عن أن هذه القبائل التي يقال إنها هاجرت، كانت حقًّا من القحطانيين فذلك في نظره أحاديث "يتكلفها القصاص وأصحاب الأغراض والأهواء للذة والمنفعة". ويرى كذلك أن دعوى هجرة فريق من عرب اليمن اضطرارًا بعد حادثة سيل العرم، من أحاديث القصاص إلى أن تقوم عليها الأدلة العلمية، فيقول: "نعم! ذكر القرآن سيل العرم، وأثبت البحث الحديث أن كان سيل العرم. وذكر القرآن أن هذا السيل قد تمزقت له سبأ كل ممزق، ولم يزد القرآن على هذا، ولم يحدد تاريخ سيل العرم، ولم يقل كيف مزقت سبأ كل ممزق، ولم يسم لنا القبائل السبئية التي مزقت، ولم يبين لنا المواطن التي هاجرت إليها، ولم تستكشف بعد نصوص تسمي هذه القبائل أو تدل على هذه المواطن". وينتهي إلى أن يقول٥٥: "نحن إذن بإزاء لغتين: إحداهما كانت قائمة في الشمال وهي التي نريد أن نؤرخ آدابها، والأخرى كانت قائمة في الجنوب، وهي التي تمثلها النصوص الحميرية والسبئية والمعينية. ونحن لا نسرف، ولا نشتط حين ننكر ما يضاف إلى أهل الجنوب من شعر وسجع ونثر قيل بلغة أهل الشمال قبل الإسلام".

الدكتور طه حسين كما نرى يرفض أدب اليمنيين الذي جاء بلغة الشماليين؛ لأن الجنوبيين كانت لهم لغة مخالفة للغة العدنانيين. حقيقة كان القحطانيون في أول الأمر يتخاطبون بلغة تختلف عن لغة العدنانيين، ولكنا نعتقد أنه ما كان خلافًا أساسيًّا، كاختلاف اللغة العربية عن اللغة الإنجليزية أو الألمانية أو الفرنسية، إنما كان اختلافًا بين أختين تفرعتا من أصل واحد، هو العربية الأصلية، فكل منهما لغة عربية، ولكن تبعا لاختلاف الظروف البيئية والحياة في كل قسم، اختلفت كل منهما عن الأخرى، وبطبيعة الحال لن يكون مثل هذا الاختلاف اختلافًا جوهريًّا، ربما يكون اختلافًا في بعض الألفاظ، أو في المدلولات لبعض الألفاظ، أو في


٥٥ في الأدب الجاهلي، ص٢٩.

<<  <   >  >>