ولدينا الآن نقوش ونصوص تمكننا من إثبات هذا الخلاف في اللفظ وفي قواعد النحو، والتصريف أيضًا".
وبعد أن يتحدث طويلًا عن العرب البائدة والعرب الباقية، يورد نصوصًا من اللغة الحميرية ليتبين الفرق بينها وبين العربية، ثم يقول٤٥: "الأمر إذن أوضح وأبين من أن نبين القول في تفصيله، فالقحطانية شيء، والعدنانية شيء آخر ... وإذن فما خطب هؤلاء الشعراء الذين ينتسبون إلى قحطان، والذين كانت كثرتهم تنزل اليمن، وكانت قلتهم من قبائل يقال إنها قحطانية قد هاجرت إلى الشمال؟ ما خطب هؤلاء الشعراء، وما خطب فريق من الكهان والخطباء يضاف إليهم نثر وسجع، وكلهم يتخذ لشعره ونثره اللغة العربية الفصحى كما نراها في القرآن؟ ".
ويستمر، فيقول: "أما أن هؤلاء الناس كانوا يتكلمون لغتنا العربية الفصحى ففرض لا سبيل إلى الوقوف عنده فيما يتصل بالعصر الجاهلي، قد ظهر أنهم كانوا يتكلمون لغة أخرى، أو قل لغات أخرى. فما يضاف إليهم من الشعر والنثر، في لغتنا الفصحى، كما يضاف إلى عاد وثمود وطسم وجديس ومن إليهم من الشعر والنثر، منحول متكلف لا سبيل إلى قبوله، أو الاطمئنان إليه".
وبعد ذلك يناقش القول بأن اليمنيين قد اتخذوا لغة العدنانيين لغة أدبية لهم، ينشئون بها شعرهم ونثرهم الفنيين، فيقبل هذا القول على أنه "حق لا يحتمل شكًّا ولا جدالًا بعد ظهور الإسلام؛ لأن اللغة العربية الفصحى -وهي لغة هذا الدين الجديد ولغة كتابه المقدس ولغة حكومته الناشئة القوية- أصبحت لغة رسمية، ثم لغة أدبية للدول الإسلامية كلها. أما قبل الإسلام، فلا يقبل هذا الرأي، بل يرفضه وينكره. معتمدًا على أن السيادة السياسية والاقتصادية -التي من شأنها أن تفرض اللغة على الشعوب- قد كانت للقحطانيين دون العدنانيين، ويقول: فما العلة إذن في أن تفرض لغة قوم لا حظ لهم من سيادة ولا ثروة ولا حضارة على قوم هم الساسة، وهم المترفون، وهم المتحضرون؟ وكيف لم تفرض القحطانية لغتها على العدنانية، والقحطانية -فيما يقول الرواة والمؤرخون- قد أذلت العدنانية وأخضعتهم لسلطانها المباشر في اليمن، كما أخضعتهم لسلطانها حين تسلط