الكلام، وطرق التعبير الأدبي، والتصوير الشعري في العصر الجاهلي، فهؤلاء الذين اختلقوا بعض النصوص الأدبية، ونسبوها إلى أدباء جاهليين لم يقولوها، وما كانوا ليجرءوا على ذلك، إلا إذا كانوا قد أنسوا من أنفسهم إحاطة تامة بحياة العرب الجاهليين، ومعرفة شاملة لأساليبهم في التعبير الأدبي، بدليل اعتراف بعض العلماء، بأن من المختلق ما قد يلتبس على النقاد الضليعين في اللغة والأدب بحيث لا يستطيعون تمييز الدخيل من الأصيل.
وإن كان الاحتمال الثاني، وهو قصور المزيفين عن التقليد الصحيح، فما أسهل -حينئذ- تمييزه، وما أحقه برميه والضرب به عرض الحائط.
فالدعوة إلى نبذ ما ورد عن طريق الرواة الثقات، فيها تحامل بغير أساس، ولا تعتمد على حجة معقولة.
بعد ذلك يتحدث الدكتور طه حسين عن لغة الأدب الجاهلي، ويتخذ منها سببًا قويًّا للطعن في أصالته، وللقول بأنه لا يمثل اللغة العربية في العصر الجاهلي، فيقول٥٣:
"إن الأدب الجاهلي لا يمثل اللغة الجاهلية، ولنجتهد في تعرف اللغة الجاهلية هذه ما هي؟ أو ما إذا كانت في العصر الذي يزعم الرواة أن أدبهم الجاهلي هذا قد ظهر فيه؟ أما الرأي الذي اتفق عليه الرواة، أو كادوا يتفقون عليه، فهو أن العرب ينقسمون إلى قسمين: قحطانية، منازلهم الأولى في اليمن، وعدنانية، منازلهم الأولى في الحجاز. وهم متفقون على أن القحطانية عرب منذ خلقهم الله فطروا على العربية، فهم العاربة وعلى أن العدنانية قد اكتسبوا العربية اكتسابًا، كانوا يتكملون لغة أخرى هي العبرانية أو الكلدانية، ثم تعلموا لغة العرب العاربة؛ فمحيت لغتهم الأولى من صدورهم، وثبتت فيها هذه اللغة الثانية المستعارة. وهم متفقون على أن هذه العدنانية المستعربة إنما يتصل نسبها بإسماعيل بن إبراهيم ... على هذا كله يتفق الرواة، ولكنهم يتفقون على شيء آخر أثبته البحث الحديث، وهو أن هناك خلافًا جوهريًّا قويًّا بين لغة حمير و"هي العرب العاربة" ولغة عدنان "وهي العرب المستعربة". وقد روي عن أبي عمرو بن العلاء أنه كان يقول: "ما لسان حمير بلساننا ولا لغتهم بلغتنا". ثم يستمر فيقول: "وفي الحق إن البحث الحديث قد أثبت خلافًا جوهريًّا بين اللغة التي كان يصطنعها الناس في جنوب البلاد العربية، واللغة التي كانوا يصطنعونها في شمال هذه البلاد